فهرس الكتاب
الصفحة 15 من 64

هو أحد الكهان، واسمه (ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن... بن غسان) يقال: انما سمي سطيحا لأنه كالبضعة الملقاة علي الأرض، فكأنه سطح عليها، ويروي عن وهب بن منبه أنه قال: قيل لسطيح: أني لك هذا العلم؟ فقال: لي صاحب من الجن استمع أخبار السماء من طور سيناء حين كلم الله تعالى منه موسي عليه السلام فهو يؤدي الى من ذلك ما يؤديه. راجع بشأنه وأخباره: سيرة ابن هشام: 1: 18 - 15، دلائل النبوة: 1: 129 - 127.

ما ذكرناه آنفا من هلك الكاسرة توطئة للاسلام؛

1:10- كان فيما اخبرت عن سليمان بن (بنت) شرحبيل الدمشقي، عن اسماعيل أنه حدثهم، عن يحيي بن أبي عمرو الشيباني، عن عبد الله بن الديلمي، فقال:

أتي رجل ابن عباس رحمة الله عليه، فقال:

بلغنا أنك تذكر (سطيحا) وتقول:

ان الله عز وجل خلقه، (و) لم يخلق من ولد آدم شيئا يشبهه؟

قال: نعم، ان الله خلق سطيحا لحما علي وضم، كان يحمل علي وضمه فيؤتي به حيث يشاء، ولم يكن فيه عظم ولا عصب الا الجمجمة والكفين، وكان يطوي من رجليه الى ترقوته كما يطوي الثوب، ولم يكن منه شيء يتحرك الا لسانه.

فلما أراد الخروج الى مكة حمل علي وجهه، فاتي به مكة، فخرج اليه أربعة من قريش: عبد شمس، وعبد مناف ابنا قصي، والأخوص بن مهر، وعقيل بن أبي وقاص، فانتموا الى غير نسبهم، وقالوا: نحن اناس من جمح، أتينك لما بلغنا قدومك، ورأينا أن اتيانك حق لك واجب.

فأهدي له عقيل صحيفة هندية، وصعدة ردينية، فوضعت علي باب البيت لينظروا هل يراهما (سطيح) أم لا؟

فقال: يا عقيل! ناولني يدك. فناوله اياها، فقال:

يا عقيل! والعالم الخفية، والغافر الخطية، والكعبة المبنية، انك الجائي بالهدية، الصحيفة الهندية، والصعدة الردينية. قال: صدقت يا سطيح.

فقال: واللات بالفرح، وقوس قزح، وسائر الفرح، واللطيم المنبطح، والنخل والرطب والبلح، ان الغراب حين مر سنح، وأخبر أن القوم ليسوا من جمح، وأن نسبهم في قريش ذي البطح.

قالوا: صدقت يا سطيح، نحن أهل البلد، أتينك لنزورك لما بلغنا من علمك، فأخبرنا عما يكون في زماننا، وما يكون بعده ان يكن عندك في ذلك علم.

فقال: الآن صدقتم، خذوا مني ومن الهام الله، أنتم الآن يا معشر العرب في زمان سواء بصائركم وبصيرة العجم، لا علم عندكم ولا فهم، ولينشأن من عقبكم دهم، يطلبون أنواع العلم، ويكسرون الصنم، ويبلغون الردم، ويقتلون العجم (ويطلبون المغنم) .

قالوا: يا سطيح! وممن يكون اولئك؟

فقال: والبيت ذي الأركان، والأمن والسكان، لينشأن من عقبكم ولدان، يكسرون الأوثان، وينكرون عبادة الشيطان، ويوحدون الرحمن، ويستنون بدين الديان، يشرفون البنيان، ويستفيئون العميان.

قالوا: يا سطيح! فمن نسل من يكون اولئك؟

فقال: وأشرف الأولاف، والمحصي الآلاف، ومزعزع الأحقاف، ومضعف الأضعاف، لينشأن الآلاف من عبد شمس ومناف، يكون فيهم اختلاف.

قالوا: يا سؤتا يا سطيح مما تخبرنا به من العلم بأمرهم! ومن أي بلد يخرج؟فقال: والباقي الأبد، والبالغ الأمد، ليخرجن من ذا البلد، يهدي الى الرشد، يرفض يغوث والفند، ويبرأ من عبادة الصدد، يعبد ربنا الفرد، ثم يتوفاه الله محمودا، ومن الدين مفقودا، وفي السماء مشهودا، ثم يلي أمره الصديق، اذا قضي صدوق، وفي يرد الحقوق، لا خرق ولا بزوق؛

ثم يلي من بعده الحنيف، مجرب غطريف، يقبل قول الرجل العفيف.

ثم يلي من بعده المصنف، قد أحكم النحيف الحنيف.

ثم يلي أمره جامع الرأي، مجرب، تجمع له جموع وعصب، يقتل بغيا، ويغصب بغير حق، يبعجونه اربا، له يقوم رجال خطباء.

ثم يلي من بعده الأمين الناصر، فيخلط الرأي بحزم باهر.

ثم يلي من بعده امرئ منكر، يظهر في المدائن العسكر.

ثم يليها بعده ولده، يكثر جمعا، ويقل حمده، ويأخذ المال، ويكل وحده، ويكثر المال لعقبه من بعده.

ثم يلي من بعده عدة ملوك، فيهم الذم بلا شك منقول.

ثم يلي من بعدهم الصعلوك، يطأهم كوطيه الدرنوك.

ثم يلي من يقضي الخلق ويبني مصرا، يفتح الأرض افتتاحا منكرا.

ثم يلي الأمر قصير القامة، بظهره علامة، يموت في سلامة.

ثم يلي قليلا مكر، ينزل الأرض ويستأثر.

ثم يلي من بعده أهوج صاحب دنيا ونعيم محلج، يناوئه معاشروه، وينهضون نحوه فيخلعوه، ويأخذون الملك ويقتلوه.

ثم يلي من بعده السابع يترك الملك محلا ضائع، يثور في الملك كل مشوم جائع، عند ذلك يطمع في الملك كل غرثان، ويلي سياسة الناس اللهفان، يوطئ نزارا بجمع قحطان، اذا التقي بدمشق جمعان، بين بلسان وبين لبنان، يصنف اليمن يومئذ صنفان، صنف المشوه وصنف المخذول، لا تري الا جائعا أو ولدا مخلول، وأسيرا هالكا مغلول بين الفرات والدحيلول، فعند ذلك تخرب المنازل، وتسلب الأيتام والأرامل، وتسقط الحوامل، وتظهر الزلازل، وتطلب الخلافة أوائل، فتقصي عندها نزار، ويدنا العبيد والأشرار، ويبعد النسك والأخيار، ويجوع الناس، وتغلو الأسعار.

وفي صفر الأصفار، يقتل كل جبار، عند مجتمع الأنهار، ولا ينفعهم نوم ولا قرار.

ثم تجيء الرماة تزحف مشاة، لقتل الكماة، وأسر الحماة، ونفي الكماة، هنك تغور المياه، وتنقطع الجسور، ولا يسلم الا من كان في جزائر البحور، فتظهر الأعاريب، ليس فيهم نجيب، علي أهل الفسق والريب، في زمان عصيب، لو كان للقوم حفيا وما يغني المني.

قالوا: ثم ماذا يا سطيح؟

قال: ثم يظهر رجل من اليمن أبيض كالشطن، يخرج من صنعاء وعدن، يسمي (حسينا) أو (حسن) ، يذهب الله علي رأسه الفتن.

2:11- حدثني أبومحمد بن فرج النحوي، قال: نبا علي بن حرب الطائي الموصلي، قال: نبا يعلي بن عمران أبو أيوب العجلي، قال: حدثني مخزوم بن هانئ المخزومي، عن أبيه - وأتت له خمسون ومائة سنة - قال:

لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ارتجس ايوان كسري، وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة، ورأي (الموبذان) ابلا صعابا تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها؛

فلما أصبح كسري أفزعه ما رأي، فتصبر عليه تشجعا، ثم رأي أن لا يكتم ذلك عن وزرائه ومرازبته، فلبس تاجه، وقعد علي سريره، وجمعهم اليه.

فلما اجتمعوا عنده أخبرهم بالذي بعث اليهم فيه، فبينما هو كذلك، اذ ورد عليهم كتاب بخمود النار! فازدادوا غما الى غمهم؛

فقال (الموبذان) : وأنا - أصلح الله الملك - قد رأيت في هذه الليلة، وقص عليه الرؤيا في الابل، فقال: أي شيء يكون هذا يا موبذان؟

وكان أعلمهم في أنفسهم، فقال: حادث يكون من ناحية العرب.

فكتب عند ذلك (الي النعمان بن المنذر) :

(من كسري ملك الملوك الى النعمان بن المنذر، أما بعد:

فوجه الى رجلا عالما بما اريد أن أسأله عنه).

فوجه اليه بعبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقلية، فلما قدم عليه، قال له: أعندك علم فيما اريد أن أسألك؟ قال: ليخبرني الملك، فان كان عندي فيه علم (أخبرته) ، والا أعلمته بمن يعلمه.

فأخبره بما رأي، فقال: علم ذلك عند رجل - خال لي - يسكن مشارف.

الشام يقال له (سطيح) . قال: فأته فسله عما سألتك، وائتني بجوابه.

فركب عبد المسيح راحلته حتى قدم علي سطيح، وقد أشفي علي الموت، فسلم عليه وحياه، فلم يحر سطيح جوابا، فأنشد عبدالمسيح يقول:

أصم أم يسمع غطريف اليمن

يا فاصل الخطة أعيت من ومن

أتك شيخ الحي من آل سنن

أزرق بهم الناب صوار الأذن

رسول قيل العجم يسري بالرسن

ترفعني وجنا وتهوي بي وجن

حتى أتي عاري الجآجي والقطن

(أم فاد فازلم به شأو العنن)

وكاشف الكربة عن وجه غضن

وامه من آل ذئب بن حجن

أبيض فضفاض الرداء والبدن

تجوب بي الأرض علنداة شزن

لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن

تلفه في الريح بوغاء الدمن

كأنما حثحث من حضني ثكن

فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه، وقال: عبد المسيح، علي جمل مسيح، يهوي الى سطيح، وقد أوفي علي الصريح، بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الايوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأي ابلا صعابا، تقود خيل عراب، قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها.

يا عبد المسيح! اذا كثرت التلاوة، وبعث صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح بشام، يملك منهم ملوك مملكات علي عدد الشرفات، وكل ما هو آت آت.

ثم قضي سطيح مكانه.

فسار عبد المسيح الى رحله وهو يقول:

شمر فانك ماضي الهم شمير

ان كان ملك بني ساسان أفرطهم

فربما ربما أضحوا بمنزلة

منهم أخو الصرح بهرام واخوته

والناس أولاد علات فمن علموا

وهم بنو الام اما أن رأوا نشبا

الخير والشر مقرونان في قرن

لا يفزعنك تفريق وتغيير

فان ذا الدهر أطوار دهارير

يهاب صولهم الاسد المهاصير

والهرمزان وسابور وسابور

أن قد أقل فمحقور ومهجور

فذك بالغيب محفوظ ومنصور

فالخير متبع والشر محذور

فلما قدم عبد المسيح علي كسري أخبره بقول سطيح.

فقال: الى أن يملك منا أربعة عشر رجلا ملكا قد كانت امور.

قال: فملك (منهم أربعة عشر، عشرة في) أربع سنين، وملك الباقون الى ملك عثمان بن عفان.

3:12- وقد روي محمد بن اسحاق بن يسار صاحب السيرة، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه قال:

لما ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأي كسري كأن ايوانه ارتج به حتى تهدمت منه شرفات، فهاله ذلك، فكتم هذه الرؤيا أهل مملكته، فلم يلبث أن جاء كتاب عامله من فارس: (ان النيران خمدت ليلة كذا وكذا) .

فقطع لذلك، فلم يلبث أن جاءه كتاب عامله من اليمن: (ان وادي سماوة فاض في ليلة كذا وكذا) .

فرأي أن الامور اجتمعت في ليلة واحدة، فرقي سرير ملكه، ووضع التاج علي رأسه، وأذن لأهل مملكته، وألقي اليهم الكتب، وأخبرهم الرؤيا التي رأي في ايوانه، فسكتوا ولم يجيبوه.

فقال له الموبذان: أيها الملك! في أي ليلة رأيت هذا؟

قال: في ليلة كذا وكذا.

قال: أيها الملك، قد رأيت في تلك الليلة رؤيا هالتني وفظعت لها!

قال: وما هي؟

قال: رأيت خيلا عرابا تقود ابلا صعابا حتى عبرت دجلة، وانتشرت في بلادها.

وقد ذكر ذلك من قبل هذا وتكرر، والحاجة غير داعية الى ذكره مرة ثانية، ولنكتب الآن ما حضرنا في هذا الوقت من صحة كون كتاب (دانيال) عليه السلام، ومتى انزل عليه الوحي، وكم كان له حينئذ من السني في هذا الباب الذي قد انتهينا اليه، وبالله التوفيق.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام