فلنكتب الآن في هذا الفصل الذي قد انتهينا اليه حديثا ينتهي الى جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام يتضمن تاريخ الملوك ويبين أن ذلك من علامة نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وانما ابتدأنا بكتبه لأنه جامع لما يحتاج اليه من علم ذلك، مفرقا في الأخبار السنيدة وغيرها، وليس يقدر فيها، وان الفت علي كثير مما في خبر جعفر بن محمد عليهما السلام المذكور قبل، فلذلك صدرناه أمام ما يأتي بعده، والله المسدد والموفق.
سياق هذا الحديث المذكور آنفا
1:9- روي الحسن بن علي السلمي فيما بلغني ذلك عنه، عن عمه محمد ابن حسان السلمي أنه حدث قال: نبا محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين أنه قال:
اخبرت أنه لما اجتمعت كلمة قريش وجميع العرب علي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليبطلوا ما ارسل به الى الناس كافة، فلم يقدروا علي ذلك، وحرصوا علي ذلك قتله بكل وجه، فحال بينهم وبينه ربه تبارك وتعالي، وقام من دونه عمه أبوطالب، أتاه عند ذلك رجل من عظمائهم، قد كان أتت عليه مائتا سنة وأربعون سنة، يقال له (فيهس) فقالوا له: ان هذا الساحر قد ظهر فينا يزعم أنه نبي ورسول، وأن الملائكة تنزل عليه من السماء، وهو يكفرنا وايكم، فنحن نحب أن تأتيه فتحاجه بمسائل وأشياء لا يقدر عليها، فلعلنا أن نظفر بحجة فنستريح منه!
فعند ذلك أتي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (فيهس) ومعه رجلان من علماء خيبر، فقالوا له: يا محمد! جئنا في كلمات نسألك عنها حتى نتبعك، والا فقد علمنا أنك كذاب!!
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سلوني عما بدالكم، وعما شئتم، اخبركم به ان شاء الله تعالى.
فقال فيهس عند ذلك: ان كنت كما تزعم نبيا ورسولا، فسل ربك أن يبعث اليك من التوراة التي أنزلها علي موسي بن عمران تبيان كلما سئلت عنه من أمر الدنيا والآخرة.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
سلوني عما شئتم من ذلك اخبركم به ان شاء الله تعالى.
قال فيهس: أخبرنا ما أول ما ابتدأ به ربنا تبارك وتعالي وتقدس من خلق الدنيا قبل أن يخلق فيها سماء أو أرضا أو عرشا، ما هو؟
وأي شيء كان؟ وما الذي كان في كل حين من ذلك؟
وما الذي كان يسبح له من خلقه من كل ما خلق؟
وأخبرنا كم سنة كانت الدنيا من قبل آدم؟
وكم تكون الدنيا منذ أهبط الله اليها آدم الى آخرها؟
وكم من ولد آدم أماتهم الله، ثم أحياهم، فكلوا من ملك الدنيا؟
وكم سنة لبثوا فيها من بعد موتهم الى أن قبضهم الله منها؟
وأخبرنا كم نبي ورسول بعثهم الله مؤمنين الى هذه الدنيا بعد موتهم، ثم لم يموتوا الى يوم الحساب الكبر، فيقومون عن يمين العرش في ظله يوم لا ظل الا ظله، ليباهي بهم الرب تبارك وتعالي الملائكة والناس من الأنبياء والرسل وغيرهم منهم؟
وأخبرنا كم سنة يملكون الأرض؟ ومتى يكون ذلك؟
وأخبرنا كم بين نفخ الصور اذا نفخ فيه فيصعق من في السماوات ومن في الأرض الا من شاء الله، وبين النفخة الثانية؟
وكم يكون بين النفخة الثانية الى النفخة الثالثة؟
ومن هؤلاء الذين يصعقون مع الخلائق؟
وأخبرنا كم سنة ملك الكفار والمشركون؟
وكم ملك فيما مضي من المؤمنين؟ وصفهم لنا بأعمالهم، وسمهم لنا بأسمائهم، فانك اذا فعلت ذلك علمنا أنك نبي ورسول، وأنك الذي نجده عندنا في الكتاب الذي أنزل الله علي موسي عليه السلام، فعند ذلك لن نبرح حتى نؤمن بالله، وبك، وبما أنزله عليك.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا فيهس! أجلني فيما سألتني عنه ثلاثة أيام، فاني انما أنطق بما يوحي الى ربي، وهذا الذي سألتني عنه لا يعلمه الا الذي بعثني برسالته، فاذا أتاني به رسول من الله تبارك وتعالي أخبرتك به ان شاء الله تعالى.
فعند ذلك لبث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أيام قائما متضرعا الى ربه عز وجل، فاحتبس عنه جبرئيل، فشق ذلك عليه، فلما كان في اليوم الثالث نزل عليه جبرئيل عليه السلام فأخبره أن رجلين من كندة، قد أصابوا في جبل لهم يقال له (بربر) بعض ألواح موسي، وقد بعثهما ربهما ليدفعا اليك الألواح، وفيهما نسخة ما سألوك عنه.
فأمره جبرئيل عند ذلك أن أن يضعها تحت رأسه ليلته، فاذا هو أصبح أن يدفعها الى علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، ليقرأها علي (فيهس) وأصحابه، فاذا الألواح كتاب عربي مبين.
قال: فعند ذلك كبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأعلي صوته، وكبر جميع المسلمين، وأخبر هم بما أخبره به جبرئيل عليه السلام، فلم يبرحوا حتى قدم عليه الرجلان الكنديان، يقال لأحدهما (عبد يغوث) وأخ له معه، فسلما عليه، وأخبراه أنهما قد وجدا تلك في جبل لهم، فأخذها منهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فوضعها تحت رأسه ليلته، فلما أصبح دفعها الى علي بن أبي طالب عليه السلام واذا نسختها كتاب عربي مبين، فاذا في الألواح مكتوب:
بسم الله الرحمن الرحيم
هو أول الاولىن وآخر الآخرين، ذلك الله تبارك وتعالي وتقدس، خلق قبل كل شيء القلم، فكتب مقادير كل شيء خلقه، ثم خلق العرش فاستوي فوقه، ثم خلق الهواء والظلمات (في) سبعة آلاف سنة، ولم يكن فيها نور الا نور ربنا عز وجل، ثم خلق فيها ملائكة بلا أجنحة، ثم بقي بعد ذلك ربنا بلا شمس ولا قمر سبعة آلاف سنة، واحتجب بنوره عن الملائكة المقدسين؛
ثم خلق بعد ذلك الكرسي عرشه علي الماء، والملائكة يسبحون بحمده، ويرعدون من خيفته، فعند ذلك أمر البحرين فاصطكا: بحر كذا، وبحر اللجي، فلم يزل اصطككهما حتى خرج من بينهما زبد، فلم يزل بذلك حتى خرج من ذلك الزبد نار، فأوحي الله عز وجل عند ذلك الى النار، فأحرقت الزبد، فصيره أرضا، وارتفع من تلك النار دخان، فسماها سماء، فكان مقدار خلقهن ستة أيام، فقال لهما: ائتيا طوعا أو كرها، قالتا: أتينا طائعين، فقضاهن عند ذلك سبع سماوات وسبع أرضين.
ثم استوي فوق السماء، وأوحي في كل سماء أمرها، ثم خلق في كل سماء ملائكة يسبحون بالبركات، فقد ربنا عز وجل لكل ملائكة من ذلك التسبيح بقدر ما يشاء، لأنه حين خلقهم الله تبارك وتعالي وتقدس فضل بعضهم علي بعض بذلك التسبيح، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، وذلك قوله في ما انزل في كتابه: (وأوحي في كل سماء أمرها) وبارك فيها، وقدر فيها أقواتها قبل أن يخلق آدم عليه السلام.
وكان فيها امم كثيرة من الجن وغيرهم يعبدونه في الأرض، فعند ذلك بعث لجميع تلك الامم (ابليس) قاضيا يقضي بين تلك الامم بحكمة الله، فلم يزل ابليس يحكم بين تلك الامم بحكمه، ولا يزول عن حكومة الله شيئا ليلا ولا نهارا، فلبث بذلك ألف سنة، فلذلك سمي حكما، فأوحي اليه باسمه.
قال: لما اوحي اليه باسمه، ولم يكن يعرف من الخلق غيره، دخله عند ذلك الكبر، فاستعظم وتكبر، فعند ذلك عتا عن أمر ربه، فطغي، وطغي أهل مملكته، فألقي بينهم العدواة والبغضاء، فاقتتلوا عند ذلك في الأرض ألف سنة، حتى أن خيلهم لتخوض في دمائهم، وذلك قوله فيما أنزل من كتابه:
(أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد) وذلك قول الملائكة لربهم فسخط عليهم (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني أعلم ما لا تعلمون) فعند ذلك بعث الله تبارك وتعالي نارا من النار الموقدة، فعذبهم بها في الأرض.
قال: فلما رأي الخبيث ما نزل بقومه من العذاب عرج عند ذلك الى السماء، فأقام عند الملائكة، فجعل يعبد الله عبادة مجتهد لم يعبده شيء من خلقه مثل تلك العبادة.
قال: فلم يزل يعبده (في) السماء ألف سنة، وكان ربنا أعلم به من جميع خلقه، فلم يزل مجتهدا في العبادة حتى خلق ربنا آدم، فأمر الملائكة أن يسجدوا لآدم، فسجدوا أجمعون غيره، فتكبر واستعظم أن يطيع أو يسجد كما سجدت الملائكة، فقال:
(ما منعك أن تسجد لبشر خلقته بيدي) ؟ فقال: أنا خير منه، خلقتني من نار وخلقته من طين وعبدتك أربعة آلاف سنة، تأمرني أن أسجد لبشر خلقته من حمأ مسنون؟!
قال: عبدي لست أقبل منك شيئا من عبادتك الا بالطاعة لعبدي هذا والسجود له.
قال: رب اعفني من هذا، وأنا اضعف لك العبادة.
قال: اني لست أقبل منك شيئا من عبادتك الا بالطاعة لعبدي هذا والسجود له.
فعند ذلك أبي أن يفعل لشقوته التي غلبت عليه، فلما (أبي) أن يفعل أمره بالخروج منها، وأمر الملائكة أن ترجمه، فعند ذلك سمي (الرجيم) .
وذلك قول الله تعالى في كتابه: (فاخرج منها فانك رجيم - وان عليك اللعنة الى يوم الدين - قال رب فأنظرني الى يوم يبعثون - قال فانك من المنظرين - الى يوم الوقت المعلوم) .
قال: فأما ما سألوا عنه من تسمية الأرض، وعدد ما ملك كل واحد من السنين والأزمنة، وما أحدث كل واحد منهم من الصناعات في ملكه؛
فان الله عز وجل لما خلق آدم وأخرجه من الفردوس، كتب له عنده في العلم السابق ألف سنة، فلما هبط من السماء، واخرج من الفردوس، هبط علي جبل بأرض الهند، كان أعلاه قريبا من السماء، وكان آدم عليه السلام يسمع كلام ملائكة السماء الدنيا، ويجد ريح الفردوس، فلبث بذلك حينا، فاشتد جوعه، فشكي الى الأرض، فقال: يا أرض، أطعميني، فأنا آدم صفي الله.
فأوحي الله تبارك وتعالي الى الأرض: (أجيبي عبدي) .
فقالت: يا آدم لسنا نطعم اليوم من عصي الله. فبكي آدم عليه السلام أربعين صباحا علي ساحل البحر، تقطر دموعه في البحر، فيزعمون أن الصدفة كانت ترتفع فوق الماء، فاذا قطرت دموع آدم في الصدفة، اغتمست في الماء، فيقولون:
ان الدر من دموع آدم، ونبت الزعفران من دموع آدم، ونبت اللبان من دموع داود عليه السلام.
فلما اشتد جوعه، رفع رأسه الى السماء فقال: يا سماء أطعميني فأنا آدم صفي الله. فأوحي الله تبارك وتعالي الى السماء: (أن أجيبي عبدي) .
فقالت: يا آدم لسنا نطعم اليوم من عصي الله تبارك وتعالي. فبكي آدم أربعين صباحا، فلما اشتد جوعه رفع رأسه الى السماء، فقال: أسألك يا رب بحق النبي الامي الذي تريد أن تخرجه من صلبي الا تبت علي وأطعمتني.
فاوحي اليه: يا آدم، ومن أين عرفت النبي الامي ولم أخلقه بعد؟
فقال آدم: اني رأيت علي الفردوس مكتوب: (لا اله الا الله محمد رسول الله) ، فعلمت أن ذلك من صلبي، فبحق ذلك النبي الا أطعمتني.
فأوحي الله تعالى الى جبرئيل: (اهبط الى عبدي) . فهبط عليه جبرئيل، ومعه تسع حبات من حنطة، فوضعها علي يدي آدم.
قال: فكان وزن الحبة منها ألفا وثمانمائة درهم.
قال آدم: يا جبرئيل، ما هذا؟
فقال جبرئيل: يا آدم، هذا أخرجك من الجنة.
قال: فما أصنع به؟
قال: ابذره في الأرض. ففعل، فأنبته الله من ساعته، فحدثت سنة في ولده: البذر في الأرض.
ثم أمر بحصاده، فجعل يأخذ القبضة بعد القبضة؛
ثم أمره بجمعه وفركه بيده، فلذلك ولده يفركون بأيديهم؛
ثم أمره بتذريته في الريح، فلذلك صارت الحنطة تذري في الريح؛
ثم أمره بحجرين، فوضع أحدهما علي الآخر فدقه، فلذلك وضعت الرحا اليوم؛
ثم أمره بعجنه، فلذلك صار ولده يعجنون الدقيق اليوم؛
ثم أمره أن يختبزه ملة، فجمع له جبرئيل الحجر والحديد فقدحه، فخرجت النار، فلذلك ولده يقدحون النار اليوم، فهم أول من اختبز الملة؛
ثم أمره أن يكله، فعند ذلك قال لجبرئيل: لا اريد! فقال له جبرئيل عليه السلام: شكوت الى ربك الجوع، فلما أطعمك قلت: لا اريد؟!
قال: لأني قد اعييت مما عالجت.
فقال له جبرئيل: هذا عملك، وعمل ذريتك الى أن تقوم الساعة.
فبكي آدم أربعين صباحا حتى نبتت لحيته من الهم والحزن علي الجنة.
فلما كل وجد في بطنه ثقلا ووجعا، ولم يكن له قبل ذلك مخاط ولا بزاق، فشكي الى جبرئيل؛
فقال جبرئيل: تنح. فتنحي، فبعر مثل بعر الشاة، ووجد له ريحا شديدا، فشكي ذلك الى جبرئيل؛
فقال له جبرئيل: أتدري ما ذلك؟
قال: لا. فقال له جبرئيل عليه السلام: ان الله تبارك وتعالي حين خلقك من طين أجوف، فجاء ابليس فضرب علي بطنك، فسمع له دويا كدوي الخالية، فقال للملائكة: لا يهمنكم ان يكن ملكا، فهو منكم، وان يكن من غيركم فأنا كفيكموه.
وذلك قول الله عز وجل في كتابه (ولقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين) فكان ممن اتبعه هاروت وماروت.
ثم دخل في جوفك، فخرج من دبرك، فكلما أصاب الطعام شيئا من ذلك البين تغير، لأن ابليس لعنه الله كان في بطنك، ولم يكن آدم يعرف قبل ذلك بزاقا ولا مخاطا، ولا شيئا من الأذي حتى كل الطعام.