فهرس الكتاب
الصفحة 20 من 64

وينزل المسيح عيسي بن مريم في غمامة بيضاء، يراها جميع أهل الأرض من المشرق والمغرب، وينادي مناد:

يا أيها الناس هذا المسيح عيسي بن مريم العذراء البتول، الذي كونه الله من غير أب، قد أنزله الله لقتل الدجال الكذاب، ويقيم لكم اماما يدين بدين الله القيم، فاسمعوا له وأطيعوا، فقد أذهب الله الكفر والشرك وأبطل الباطل، وأظهر الدين الذي لا يشوبه شرك ولا كفر ولا نفاق بعد اليوم، ولا يبقي كافر ولا مشرك الا نادي ذلك الموضع، بيتا كان أو بقعة من الأرض، أو شجرة أو دابة:

يا مؤمن، هذا الذي تحتى كافر فتعالوا فاقتلوه.

يسمع ذلك النداء أهل الأرض، فيفهمه أهل كل لغة بلغتهم؛

ثم ينزل عيسي ومعه عكازة في طرفها زج، فيقمعه بها بضربة بعرض العكاز، فيذوب علي حماره، كما يذوب الشمع اذا أصابته النار، ويرونه في صورة واحد من الناس، ويرون حماره كصورة الحمير، ثم يقع حماره فيذوب.

ثم يقول عيسي للحسني وأصحابه: دونكم أصحاب الدجال، وكل من لا يقول: (لا اله الا الله وحده لا شريك له) فاقتلوه.

فيضعون فيهم السلاح فيقتلونهم عن آخرهم.

ثم يقول المسيح عيسي للحسني وأصحابه: قد قضيت ما عليك، ووجب أجرك، وهذا آخر يومك من الدنيا. فيأتيه ملك الموت فيقبض روحه بأهون ما قبض روح أحد من الناس، طيبة بذلك نفسه؛

ويقول المسيح لأهل بيت الحسني بن محمد بن عبد الله، وامه فاطمة بنت محمد بن السبط الأصغر من ولد فاطمة بنت الرسول الامي عليه السلام، فيقوم فيقول لنا: عيسي بن مريم روح الله، وكلمته وعبده ورسوله، فيقول له:

تقدم فصل بأصحابك. فيصلي ويصلي المسيح خلفه.

ثم يأمر الناس بالبيعة له، فيبايعه كل من حضره، ثم يقول: جهز الآن صاحبك وابن عمك الحسني، فيغسله ويكفنه، ثم يصلي عليه هو وأصحابه والمسيح بن مريم.

ثم يأمر الامام بقتل الخنزير، وكسر الصليب، وهدم كل بيعة وكنيسة، وبيت نار، وقتل كل من لا يدين بدين الاسلام، ولا يبقي كافر ولا مشرك ولا منافق الا ولي (عن) عتبة الموضع الذي هو فيه، فاذا سمع أن الموضع الذي هو فيه ينادي باسم ذلك الذي فيه اختبأ، قتله المؤمن الذي يسمع ذلك.

ثم ان الروم، والصقالبة وجميع الامم اذا سمعوا أن الامام يدعوهم الى الاسلام أجابوه طوعا للذي قد سمعوا من المسيح عيسي حين نادي بذلك وهو علي الغمامة البيضاء.

ثم ان المسيح يأخذ ابليس، ويقول للامام: خذ هذا فاذبحه، فيأخذه الامام فيضجعه، فيذبحه علي صخرة بيت المقدس، ويموت حينئذ جميع أصحابه من الشياطين، ويدخل جميع الناس من جميع الدنيا وملوكها في الاسلام، ويذهب الجور ويحيي العدل، ويموت كل مؤذي من السباع والهوام حتى الذباب والنمل والبعوض وكل مؤذي، وتفشو الأمنة في الأرض كلها، ولا يبقي عاق، وتظهر الأرض كنوزها وبركاتها، وتنزل الرحمة، وتخصب الناس فلا يكون في الأرض فقير ولا مسكين، ويقسم المال بالسوية، ويذهب من الناس التجبر والسفه، ليتم الله كلمته: (أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) وقال: (وعد الله الذين أمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فاولئك هم الفاسقون) .

فلا يزال الامام الأول يدين بالحق، ويقضي بالحق حتى اذا دنا أجله يلقي في قلبه، فيوصي ويستخلف علي الامة رجلا من أهله، فيقوم مقامه كذلك.

ثم كذلك يفعل عند حضور أجله، يوصي ويستخلف كذلك حتى يملك من السبط الأصغر خمسة.

ثم يوصي آخرهم الى رجل من السبط الكبر، فيسير سيرة الامام الأول، ثم كذلك من بعده حتى يملك منهم أيضا خمسة أئمة.

ثم يوصي آخر الخمسة بالخلافة لرجل من السبط الكبر، فيملك الأول، ثم ولده من بعده، فيتم بذلك أثنا عشر ملكا، وكل ولد منهم امام مهدي رشيد مرشد، فاذا ملك السبط الأصغر، كان عماله من السبط الكبر، وكذلك اذا ملك السبط الكبر، كان عماله من السبط الأصغر؛

فاذا هلك آخرهم الذي من السبط الأصغر، يطلبون من يولونه مكانه من السبط الأصغر فلا يجدون في جميع الأرض منهم أحدا، قد أبادهم الموت، فلم يبق من السبط الكبر ولا من (السبط) الأصغر، فيطلبون من ولد أعمام النبي، فلا يجدون منهم أحدا، قد مات بنو هاشم، فلم يبق من نسلهم أحدا، فيطلبون من بني امية فلم يجدوا منهم أحدا.

فيقول لهم رجل كان مولي للذي مات من السبط الأصغر: اطلبوا في بطون قريش من وجدتموه من قريش فولوه، فان نبيكم قال: (ان الأئمة من قريش) فيطلبون قرشيا في الأرض كلها فلا يجدون قرشيا، قد أفناهم الموت.

فيقولون لذلك المولي: أنت عبد الله. مولي الآخر من ملك من السبط الأصغر، وأنت عتاقه، وقد كان يقدمك ويستأثرك ويعمل برأيك، ومولي القوم من أنفسهم، فقم مقام مولك، فان الامة لابد لها من امام يقوم بأمر امة محمد.

فيأبي ذلك، فيقولون له: لا نتركك، ولن يحل لك أن تمتنع، فانك ان لم تفعل ضاع أمر الامة. فيكرهونه علي ذلك، ويبايعونه، ويولونه أمر الامة، فيليهم ويسير فيهم بسيرة مولاه علي منهاج الأئمة الذين من ولد بنت النبي الامي صلى الله عليه وآله وسلم.

قال دانيال: ولم يبين لي كم ملك كل واحد منهم، ولا سموا لي بأسمائهم، الا أن الملك الذي نبأني بهذا (عن الله) عز وجل قال لي:

(انهم يملكون بدل ما ملك الذين من قبلهم بالسنة سنتين، وبالشهر شهرين، وباليوم يومين) .

فيليهم ذلك المولي، ويسير بسيرة أصحابه المهديين ما بقي حتى يموت، ويقل الرجال، وتكثر النساء في زمان ذلك المولي، ويكثر الفساد في الأرض، ولا يقدر ذلك المولي بضبطهم بالعدل، ويظهر الفاسق والفاجر والمنافق في زمان ذلك المولي، ويحج ذلك المولي فيمن معه من أصحابه، ويتبعه جماعة من أهل الفسق، فاذا قضي مناسك حجه رأي من اولئك ما أنكره في أمر الدين، فهم أن يعاقبهم، ثم يخاف أن يكون ذلك الذي رآه منهم ظنا غير يقين، فيترك معاقبتهم من أجل ذلك.

فعند ذلك تخرج دابة الأرض من الصفا والمروة لها رغاء كرغاء الجمل الهائج، وهي علي خلقة الجمل الأبيض، الا أنها أحسن وألطف من الجمل علي لون الغزال الأبيض، لها جناحان تطير اذا أرادت، فتقبل علي الناس فتقول:

يا أيها الناس لا بأس عليكم مني ان الله تبارك وتعالي أرسلني اليكم لأنكم لا توقنون بآيات الله، وفيكم من يقول: لا اله الا الله غير أنه علي خلاف الاسلام والايمان بالله، فأرسلني لابين المؤمن من المنافق، والكافر الذي لا يؤمن بالبعث يوم القيامة فقفوا.

فاذا قالت ذلك لم يقدر أحد سمعها تقول ذلك الا وقف، فتأتي الانسان فتنقر في جبهته، فيصير موضع نقرتها نكتة بيضاء في جبهة المؤمن حيال أنفه، وتصير في جبهة المنافق والكافر نكتة سوداء.

ثم تغيب تلك الدابة فلا تري، ولا يبقي مؤمن في شرق الأرض وغربها الا صار في جبهته نكتة بيضاء ان كان مؤمنا، وفي جبهة الكافر والمنافق سوداء، فيأمر ذلك المولي بقتل كل من في جبهته نكتة سوداء، ولا يعرض لمن في جبهته نكتة بيضاء رجلا كان أو امرأة، صغيرا كان أو كبيرا، حتى المؤمنات من النساء والكوافر والمنافقات لأن في الأرض من الناس من لا تبلغه دابة الأرض، فيجعل الله في جبهة كل امريء من المؤمنين والمؤمنات نكتة بيضاء، علامة يعرف بها ايمان كل مؤمن ومؤمنة، صغيرا كان أو كبيرا، أو امرأة كان أو رجلا، ويكون في جباه المنافقات والمشركات والكوافر من النساء نكتة سوداء، علامة يعرفن بها.

ويأمر بذلك حيث انتهت ولايته، وحيث بلغ سلطانه من الأرض، ويموت أهل العلم والمعرفة بالله، وقراء القرآن، فيذهب القرآن، فلا يبقي كتاب فيه شيء من كلام الله الا درس، الا أن ذلك المولي يحفظ من القرآن ما يصلي في أصحابه به.

ثم يموت ذلك المولي فيصلي عليه أصحابه ويدفنونه، ولا يخلف ولدا، ولا يجدون مثله، فيقولون لخير من بقي منهم: كن امامنا. فيأبي ذلك، ويقول: ليكن كل رجل منكم امام نفسه! فيتفرقون علي ذلك.

ويدرس الدين بذهاب أهله، فلا يبقي الا اسمه، ويذهب أهل السنة بالموت الا أن في الأرض اولئك الذين قد بقوا من المؤمنين، ثم يفنيهم الموت الا اليسير من أولادهم، لا يكون عددهم مائة نفس.

ويكثر أهل الشرك والكفر، وفي جباههم نكت سود في كل ناحية من نواحي الدنيا، والناس علي ذلك لهم أسواق يتبايعون الأمتعة والأطعمة وغير ذلك.

ثم يأذن الله (ليأجوج ومأجوج) أن ينقبوا السد الذي بناه ذوالقرنين فيخرجون من كل حدب، ويكثر فسادهم في الأرض، فلا يبقي طعام الا كلوه، ولا ماء الا شربوه؛

فبينما الناس كذلك اذ طلعت الشمس من مغربها في غداة يوم الاثنين لثلاثة عشر يوما خلت من ذي الحجة، وقد كانت تلك الليلة ليلة ثلاث عشر طالت علي الناس، ففزع الناس في الأرض كلها من ذلك حتى اذا بلغت الشمس وسط السماء، رجعت فغابت في مغربها!

ثم يطلع القمر من مغربه في ليلة أربع عشر، حتى اذا صار في وسط السماء رجع فغاب في مغربه في ليلة الاثنين، وتغور مياه الأرض، وتجف دجلة والفرات، فاذا صار يأجوج ومأجوج الى دجلة والفرات، لم يجدوا فيها ماء، فيمرون علي وجوههم، فيفسدون في الأرض، وتذهب بركات الأرض وسائر نباتها، ولا تبقي حينئذ مدينة ولا قرية الا كان فيها خسف وقذف، وصواعق وزلازل من نقم الله - في كل كتاب أنزله من قوله: (وان من قرية الا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا) -.

وقد امتلأت الأرض من نسل يأجوج ومأجوج، وتسلطهم علي الخلق، يموج بعضهم في بعض، قد خلت لهم الدنيا واستولوا عليها بكثرة عددهم، وشدة كلبهم.

ويكثر ولد (حام بن نوح) من السودان، ويخرج رجل منهم في خلق كثير من الحبش، فيأتي بهم مكة فيدخلونها، فلا يبقي أحد الا أهلكوه، ثم يصعد ذلك الحبشي فوق الكعبة التي بناها ابراهيم خليل الرحمن عليه السلام، فيضرب بمعول معه ليهدمها، فتجف يده، فيقول لأصحابه: دونكم فاهدموا.

فيأخذون معاولهم ويصعدون الى الكعبة ليهدموها، فيرسل الله عليهم صاعقة من السماء فتحرقهم أجمعين، ومع (أن) يأجوج ومأجوج في الأرض قد دمروا كل شيء في البر، وألجأهم العطش الى أن صاروا الى شاطيء البحر ليشربوا من مائه، وذلك أن الماء قد غار في الأرض، يرسل الله عليهم ريح السموم، وهي الدبور فتحرقهم في يوم جمعة، فتنتن الأرض من جيفتهم، ويبقي من بقي من ولد آدم ممن يقول: (لا اله الا الله محمد رسول الله) وهم قليل، ومع كل رجل منهم مائة امرأة قد ضمهن اليه، لأن الرجال ماتوا، وبقي نساؤهم علي الاسلام كلهم.

ثم يميت الله اولئك المؤمنين أيضا حتى لا يبقي من يقول: (لا اله الا الله) ، فعند ذلك يغلق باب التوبة، فلا يقبل لأحد توبة لأن الله عز وجل قد علم أن أهل ذلك الزمان لا يتوبون، والناس يومئذ لا دين لهم ولا عقل، فيرسل الله عز وجل نارا فتسوق الناس من كل أرض الى أرض الشام، أرض بيت المقدس، فيملأون الشام الى البحر - بحر الروم - ويتخذون أسواقا يتبايعون، فبيناهم كذلك يوم الجمعة آخر يوم من ذي الحجة اذا صوت من السماء، فيصعق أهل الأرض وهم في أسواقهم فيموت جميع الناس، فهذا اليوم الآخر من الدنيا.

قال دانيال: الى هذا القول انتهي وحي الله تعالى، فقلت للملك الذي نبأني بهذا: أيها الملك كيف سم الله اسم السفياني وأسماء قواده، وأسماء الذين يكونون في زمانه، وبين أمرهم كله، ولم يسم اولئك الملوك الذين ذكرهم، ولا سمي قوادهم ولا كناهم؟ فقال: لا علم لي بذلك.

قال دانيال: فسألت الله عز وجل أن يبين لي لم ذلك؟ فعاد الى الملك، فقال: يقول لك الله تبارك وتعالي: ان الملوك لهم من يكيدهم حسدا لهم، فاذا سمي الملك منهم وعرف باسمه وصفته، فسحده حاسد من أهل بيته أو من عدوه، أقبل قبله ليقتله، فأخفيت أسماءهم لأهل بيت كل ملك منهم يرجو أن يملك من بعده، فمن أراد أن يكيده من أهل بيته أو من عدوه اذا عرفه باسمه وصفته كاده، واذا لم يعرف ذلك لم يكده، والله لطيف بعباده لأنه رحمن رحيم، فعال لما يشاء، وهو علي كل شيء قدير.

فالي هاهنا انتهي حديث دانيال عليه السلام؛

ونحن الآن كاتبون ان شاء الله الأخبار التي رويت في الفتن سنيدة علي غير استيفاء لأننا قد أودعنا كتاب السير معظمها، وانما خلدنا هاهنا منها ما ينوب عنها، ثم نزد فيها الأخبار التي رويت في الملاحم بذلك النعت، ثم كل حادثة تصلح ذكرنا اياها، وبالله جل جلاله التوفيق، وعليه في كل حال المتكل.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام