"تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم".. و"النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة".. ويجوز الفتوى بالقول المرجوح للضرورة والحاجة .. والجهل بهذا الباب غلط عظيم على الشريعة يوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه كما ذكر ابن القيم رحمه الله ..
· وبالنظر في سنة الصحابة رضي الله عنهم نرى كثيرا من الفتاوى والقرارات اقتضاها النظر المصلحي عندهم؛ فيدخل تحت هذا الإطلاق المصالح المرسلة والاستحسان، كما فعلوا في حد الخمر وتضمين الصناع، وجمع المصحف، وحمل الناس على القراءة بحرف واحد من الحروف السبعة، وتدوين الدواوين، وما أشبه ذلك [انظر الموافقات ج 4] .
· كما أن سد الذرائع أصل في الشريعة .. فـ"الشريعة مبنية على الاحتياط والأخذ بالحزم، والتحرز مما عسى أن يكون طريقا إلى مفسدة، .. فليس العمل عليه ببدع في الشريعة، بل هو أصل من أصولها، راجع إلى ما هو مكمل؛ إما لضروري، أو حاجي، أو تحسيني) [الموافقات] ."
· وفي الجملة الشريعة جاءت لتحصيل المصالح ودرء المفاسد .. وعكس المسألة ليس من الشريعة وإن أدخل فيها بالتأويل .. و (الأعمال الشرعية ليست مقصودة لأنفسها، وإنما قصد بها أمور أخر هي معانيها، وهي المصالح التي شرعت لأجلها؛ فالذي عمل من ذلك على غير هذا الوضع؛ فليس على وضع المشروعات) [الموافقات] .. (وذلك جار في العبادات والمعاوضات وسائر التصدقات) [قواعد الأحكام] .
· ومن خلال هذه القواعد الفقهية التي اعتمدها القائلون بجواز التدرج في تطبيق الشريعة من الممكن أن نقول أن الأحكام الشرعية تختلف بالنظر إلي حال الشخص نفسه أو الجماعة نفسها أو المجتمع نفسه من وقت إلي آخر تبعا لتغير الواقع وهو من قبيل تحقيق المناط الخاص حيث يكون العمل في الأصل مشروعا، لكن ينهى عنه لما يؤول إليه من المفسدة أو ممنوعا لكن يترك النهي عنه لما في ذلك من المصلحة .. فليس الخلاف في وجوب تطبيق الشريعة ولا في لزومها على المستوى الشخصي والجماعي بل في كيفية تحصيل الضمانات اللازمة لتحقيق تطبيقها ـ كما أسلفنا ـ.
ومن هذا الوجه يظهر أن بحث"كيفية التطبيق"وضع اجتهادي تتنازع فيها الآراء الظنية .. وهو خلاف لفظي؛ نسميه إرجاء أو تدرجا المعنى واحد؛ وكلاهما حكم شرعي ..