الثالث: إن من أنعم على ضعيف بنعمة ثم يتركه مع نفسه ولا يكلفه عملا شاقا في مقابلة تلك النعمة السالفة كان ذلك أدخل في المدح والثناء والجود والكرم مما إذا أتبع ذلك الإنعام بالتكاليف الشاقة.
وأكرم الأكرمين هو الله رب العالمين فكيف يليق بجوده وكرمه أن يعامل البعد بالطريق الأدون الأنقص؟
وأما القسم الثاني: هو أن يقال: أنه إنما كلفة لأجل المنافع المستقبلة فنقول هذا أيضا ممتنع وبيانه من وجهين:
الأول وهو أنه لما علم من أحوال الكفار والفساق أنهم لا يتوصلون بهذا التكليف إلا لاستحقاق العذاب الشديد والآلام العظيمة كان القول بأنه إنما كلفهم للفوز بالمنافع كلام متناقض.
الثاني: وهو أنه لو أراد ذلك لوجب أن يفرغهم من متاعب الدينا وآلامها وأن يظهر لهم الدلائل الواضحة في أن الحق هو ذلك ولما لم يفعل بهم ذلك بل أحوجهم إلى الأشياء الكثيرة وعلم أن تلك الحاجات تحملهم على المعاصي ثم سلط عليهم الشهوات والشبهات وسلط عليهم شياطين الإنس والجن ومن فعل بالبعد الضعيف الذي يقل عقله. وتضعف قدرته هذه المعاملة ثم يزعم أنه أراد به الخير والفوز بالرحمة كانت العقول تنادي عليه بأنه ما قصد إلا الإساءة إليه والإيذاء والكلام في هذه المباحث مفرع على تحسين العقل وتقبيحه فثبت أن هذين الوجهين يافيان القول بجواز التكليف.
الحجة الرابعة: أنه تعالى كان قادرا على أن يخلق الكل في الجنة وأن يوصلهم إلى الخيرات والدرجات وأن يحميهم عن منازل الآفات