فهرس الكتاب
الصفحة 182 من 256

الخلق عن متابعته. بل الجواب عليه أن يبين أنه - سبحانه وتعالى - منزه عن مشابهة المحدثات ومناسبة الممكنات كما قال تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} ثم بعد ذلك يقول: {وهو القادر فوق عباده} {إليه يصعد الكلم الطيب} {الرحمن على العرش استوى} .

ويمنعهم عن البحث في هذه المضائق والخوض في هذه الدقائق إلا إذا كان من الأذكياء المحققين والعقلاء المفلقين فإنه بعقله الوافر يقف على حقائق الأشياء وأيضا يبين لهم: كون البعد صانعا فاعلا قادرا على الفعل والترك والخير والشر. ويبالغ فيه فإنه إن القى إليهم الجبر المحض تركوه ولم يلتفتوا إليه ويبين لهم أيضا أنه وإن كان الأمر كذلك إلا أن الكل بقضاء الله - تعالى - وقدره فلا يغرب عن عمله وحكمه، مثقال ذرة في السموات والأرض ثم يمنعهم بأقصى الوجوه عن الخوض في هذه الدقائق: فإن طباع أكثر الخلق بعيدة عن هذه الأشياء.

وبالجملة: فأحسن الطرق في دعوة الخلق إلى عبودية الحق. هو الطريق الذي جاء به سيد الأنبياء. محمد عليه السلام وذلك لأنه يبالغ في تعظيم الله تعالى من جميع الوجوه على سبيل الإجمال ويمنعهم من الخوض في التفصيل فيذكر في إثبات التنزيه قوله: {والله الغني وأنتم الفقراء} وإذا كان غنيا على الإطلاق امتنع كونه مؤلفا من الأجزاء وإذا كان كذلك امتنع أن يكون متحيزا وإذا كان كذلك امتنع أن يكون حاصلا في الأمكنة والأخياز.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام