حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا.
قال له: قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا يعني: كون الشخص إنسانا موصوفا بالرسالة معناه: كونه كاملا في قوته النظرية والعملية وقادرا على معالجة الناقصين في هاتين القوتين. وليس من شرط حصول هذه الصفة كونه قادرا على الأحوال التي طلبتموها مني.
ومن جملة الآيات الدالة على ما ذكرناه أيضا: أنه تعالى لما قال في سورة الشعراء: {وأه لتنزيل رب العالمين} أورد عليه سؤالا وهو أنه: لم لا يجوز أن يكون هذا من تنزيل الشياطين؟ فقال جوابا عنه: {وما تنزلت به الشياطين} ثم بين الجواب: فقال: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين؟ تنزل على كل أفاك أثيم} والمعنى: أنه إن كانت الدعوة إلى طلب الدنيا وطلب اللذات والشهوات كان ذلك الداعي أفاكا أثيما والذين يعينونه عليه هم الشياطين. وأما أنا فأدعوا إلى الله وإلى الاعراض عن الدنيا والاقبال على الآخرة ولا يكون هذا بإعانة الشياطين بل بإعانة الله تعالى.
فاستدل بكون دعوته إلى الله تعالى وإلى الحق على كونه نبيا صادقا لا ساحرا خبيثا ولما أورد عليه سؤالا آخر وهو: أن لكل واحد من الشعراء شيطانا. يعينه على شعره فلم لا يجوز أن يكون حالك كذلك؟ أجاب عنه بوله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} [الشعراء: 224، 225] والمعنى أن الشاعر إنما يدعو إلى الطمع في الدنيا وإلى الله تعالى وإلى الدار الآخرة. فامتنع أن يكون الناصر والمعين في هذه الطريقة: هو الشيطان فظهر الفرق.
وقد ظهر بهذه الآيات: أن الطريق الذي ذكرناه في إثبات النبوة هو الطريق الأكمل الأفضل والله أعلم.