فهرس الكتاب
الصفحة 175 من 256

وإشارة المحتاجين فقال: {فذكر إن نفعت الذكرى} قوله: أمر له بإشارة الناقصين: وقوله: {إن نفعت الذكرى} تنبيه على أنه ليس كل من سمع ذلك التذكير انتفع به فإن النفوس الناطقة مختلفة فبعضها ينتفع بذلك التذكير وبعضها لا ينتفع به، وبعضها يضره سماع ذلك التذكير لأن سماعه يثير في قلبه دواعي الحسد والغيظ والغضب والإصرار على الجهل. ثم لما نبه تعالى على أن المستمع لذلك التذكير قد ينتفع به وقد لا ينتفع به اتبعه بيان خاصية كل واحد من هذين القسمين قبين أن صفة من ينتفع بهذا التذكير هو أن يكون الخوف غالبا على قلبه والخشية مستولية على روحه ولأجل ذلك الخوف: يطلب زاد المعاد فلا جرم أنه ينتفع بإشارة هذا المحق.

وأما الذي لا ينتفع بهذا التذكير ويتباعد عنه ويجتنب من القرب منه فهو النفس الموصوفة بكونها أشقى النفوس فإنها تبقى في عناء هذا العالم بعد المت تقع في نيران الحسوة والوحشة ولما بين هذا زاد في صفته فقال: {ثم لا يموت فيها ولا يحيى} وإنما قال: {ثم لا يموت فيها} لما ثبت أن النفس لا تموت بموت البدن، وإنما قال: {ولا يحيى} لأنها وإن بقيت حية لكنها بقيت في العذاب. والموت خير من هذه الحياة فلهذا قال: {ثم يموت فيها ولا يحيى} .

ولما بين وعبد من لا ينتفع بذلك التذكير بين ككمال حال من ينتفع به فقال: {قد أفلح من تزكى} وذلك لأن المقصود من تعليم الأنبياء وتذكيرهم وإرشادهم أمران: أحدهما: إزالة الأخلاق الذميمة الجسمانية عن النفس والثاني: تحصيل الصفات الحميدة الروحانية في النفس ولما كانت إزالة ما لا ينبغي مقدمة على تحصيل ما ينبغي لا جرم ابتدأ بقوله تعالى: {قد أفلح من تزكى} والمراد منه: تزكية النفس وتطهيرها عن الصفات

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام