المقدمة الرابعة: أن النقصان وإن كان شاملا للخلق عاما فيهم. إلا أنه لا بد وأن يوجد فيهم شخص كامل بعيد عن النقصان والدليل عليه وجوه:
الأول: أنا بينا أن اكمال والنقصان واقع في الخلق على مراتب مختلفة، ودرجات متفاوتة. ثم أنا كما نشاهد أشخاصا بلغوا في جانب النقصان وقلة الفهم والإدراك إلى حيث قربوا من البهائم والسباع فكذلك في جانب الكمال، لا بد وإن توجد أشخاص كاملة فاضلة ولا بد وأن يوجد فيما بينهم شخص يكون أكملهم وأفضلهم وهو يكون في آخر مراتب الإنسانية وأول مراتب الملكية.
الثاني: أن الاستقرار يدل على ما ذكرناه وذلك لأن الجسم العنصري جنس تحته ثلاثة أنواع: المعدن والنبات والحيوان، وصريح العقل يشهد بأن أشرف هؤلاء الثلاثة الحيوان وأوسطها النبات وأدونها المعادن ثم نقول: صريح العقل يشهد بأن الحيوان جنس تحته أنواع كثيرة وأشرفها هو الإنسان وأيضا: فالإنسان تحته أصناف كثيرة مثل: الزنج والهند والعرب والروم والافرنج ولترك. ولا شك أن أفضل أصناف الإنسان وأقربهم إلى الكمال: سكان وسط المعمورة وهم سكان الموضع المسمى بابرانشهر. ثم أن هذا الصنف من الناس مختلفون أيضا في الكمال والنقصان ولا شك أنه يحصل فيهم شخص واحد هو أفضلهم وأكملهم فعلى هذا قد ثبت أنه لا بد وإن يحصل في كل دور شخص واحد هو أفضلهم أكملهم في القوة النظرية والعملية ثم أن الصوفية يسمونه يقلب العالم. ولقد صدقوا فيه فإنه لما كان الجزء الأشرف من سكان هذا العالم الأسفل هو الإنسان. الذي حصلت له القوة النظرية التي بها يستفيد الأنوار القدسية من عالم الملائكة وحصلت له القوة العلمية التي يقدر بها على تدبير هذا العالم