الثاني: أن شعائر الصلوات كانت ظاهرة بادية مدة ثلاث وعشرين سنة ثم أنها ما نقلت كما ينبغي. فإنهم اختلفوا في كون الإقامة: مثناه أو فرادى واختلفوا في قراءة بسم الله الرحمن الرحم واختلفوا في سائر الشرائط.
الثالث: أن وقائع ملوك الأعاجم على عظمتهم بقيت مندرسة غير مذكورة والوقائع التي وقعت في زمان عاد وثمود اندرست وبعض وقائع نوح - عليه السلام - وغيره دق بقي. فثبت أن الوقائع العظيمة قد تصير مندرسة وقد تصير باقية وأن لا يجوز الجزم بأحد الحكمين. قطعا.
وأما قوله: إن الله تعالى القى شبه عيسى عليه السلام على شخص آخر فنقول: هذا من أعظم القوادح في التواتر. لأنكم لما جوزتم هذا المعنى, فلعل الشخص الذي يعتقد فيه أنه محمد ما كان محمدا بل كان شخصا آخر ألقى الله عليه صورته ومشابته. وكذا القول في جميع أحوال الخلق وذلك يوجب السفسطة.
وأما قوله إن زردشت كان قائلا بأثبات الهين، فيمتنع ظهور المعجزات عليه. فنقول هذا الكلام يقوي ما ذكرناه من السؤال وذلك لأن إيران شهر الذي هو واسطة ممالك العالم وأشرف بقاع الدنيا كلهم كانوا على دين زردشت قريبا من ألف ومائتي سنة. وكلهم كانوا ينقلون عنه المعجزات القاهرة الباهرة. ثم انكم أقمتم دليلا قطعيا. على أنهم كانوا كاذبين في تلك الروايات. فإنكم قلتم: أنه كان كافرا. والكافر يمتنع ظهور كاذبة باطلة. ونحن ما سعينا إلا لبيان أن خبر التواتر قد يكون باطلا فاسدا وعلى هذا التقدير فالاعتماد على مجرد خبر التواتر لا يفيد العلم واليقين