فهرس الكتاب
الصفحة 178 من 247

ج77- إِنَّ الْوَاجِبَ طَلَبُ عِلْمِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ وَمَعْرِفَةِ مَا أَرَادَ بِذَلِكَ كَمَا كَانَ عَلَى ذَلِكَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ فَكُلُّ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهِ فِي دِينِهِمْ فَقَدْ بَيَّنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بَيَانًا شَافِيًا فَكَيْفَ بِأُصُولِ التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ ثُمَّ إذَا عُرِفَ مَا بَيَّنَهُ الرَّسُولُ نُظِرَ فِي أَقْوَالِ النَّاسِ وَمَا أَرَادُوهُ بِهَا فَعُرِضَتْ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . وَالْعَقْلُ الصَّرِيحُ دَائِمًا مُوَافِقٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُخَالِفُهُ قَطُّ فَإِنَّ الْمِيزَانَ مَعَ الْكِتَابِ وَاَللَّهُ أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانِ ؛ لَكِنْ قَدْ تَقْصُرُ عُقُولُ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ تَفْصِيلِ مَا جَاءَ بِهِ فَيَأْتِيهِمْ الرَّسُولُ بِمَا عَجَزُوا عَنْ مَعْرِفَتِهِ وَحَارُوا فِيهِ لَا بِمَا يَعْلَمُونَ بِعُقُولِهِمْ بُطْلَانَهُ فَالرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ تُخْبِرُ بِمَحَارَاتِ الْعُقُولِ لَا تُخْبِرُ بِمُحَالَاتِ الْعُقُولِ فَهَذَا سَبِيلُ الْهُدَى وَالسُّنَّةِ وَالْعِلْمِ وَأَمَّا سَبِيلُ الضَّلَالِ وَالْبِدْعَةِ وَالْجَهْلِ فَعَكْسُ ذَلِكَ: أَنْ يَبْتَدِعَ بِدْعَةٌ بِرَأْيِ رِجَالٍ وَتَأْوِيلَاتِهِمْ ثُمَّ يَجْعَلَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ تَبَعًا لَهَا وَيُحَرَّفَ أَلْفَاظَهُ وَيَتَأَوَّلُ عَلَى وَفْقٍ مَا أَصَّلُوهُ . وَهَؤُلَاءِ تَجِدُهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَلَا يَتَلَقَّوْنَ الْهُدَى مِنْهُ وَلَكِنْ مَا وَافَقَهُمْ مِنْهُ قَبِلُوهُ وَجَعَلُوهُ حُجَّةً لَا عُمْدَةً وَمَا خَالَفَهُمْ تَأَوَّلُوهُ كَاَلَّذِينَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ أَوْ فَوَّضُوهُ كَاَلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلَّا أَمَانِيَّ وَهَؤُلَاءِ قَدْ لَا يَعْرِفُونَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ: إمَّا عَجْزًا وَإِمَّا تَفْرِيطًا فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مُقَدِّمَتَيْنِ: أَنَّ الرَّسُولَ قَالَ كَذَا وَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ كَذَا

أَمَّا الْأُولَى فَعَامَّتُهُمْ لَا يَرْتَابُونَ فِي أَنَّهُ جَاءَ بِالْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غُلَاةِ أَهْلِ الْبِدَعِ مَنْ يَرْتَابُ فِي بَعْضِهِ لَكِنَّ الْأَحَادِيثَ عَامَّةٌ أَهْلُ الْبِدَعِ جُهَّالٌ بِهَا وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ هَذِهِ رَوَاهَا آحَادٌ يُجَوِّزُونَ عَلَيْهِمْ الْكَذِبَ وَالْخَطَأَ وَلَا يَعْرِفُونَ مِنْ كَثْرَةِ طُرُقِهَا وَصِفَاتِ رِجَالِهَا وَالْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّصْدِيقِ بِهَا مَا يَعْلَمُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَقْطَعُونَ قَطْعًا يَقِينًا بِعَامَّةِ الْمُتُونِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام