فهرس الكتاب
الصفحة 111 من 247

ج67- يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَوَّلًا أَنَّ التَّفْضِيلَ إذَا ثَبَتَ لِلْفَاضِلِ مِنْ الْخَصَائِصِ مَا لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ لِلْمَفْضُولِ فَإِذَا اسْتَوَيَا وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِخَصَائِصَ كَانَ أَفْضَلَ وَأَمَّا الْأُمُورُ الْمُشْتَرِكَةُ فَلَا تُوجِبُ تَفْضِيلَهُ عَلَى غَيْرِهِ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَفَضَائِلُ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّتِي تَمَيَّزَ بِهَا لَمْ يُشْرِكْهُ فِيهَا غَيْرُهُ وَفَضَائِلُ عَلِيٍّ مُشْتَرَكَةٌ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:" « لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ ابْنَ أَبِى قُحَافَةَ خَلِيلاً وَلَكِنْ صَاحِبُكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ » (1) وَقَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:" « إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَىَّ فِى صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً مِنْ أُمَّتِى لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ ، إِلاَّ خُلَّةَ الإِسْلاَمِ ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِى الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلاَّ خَوْخَةُ أَبِى بَكْرٍ » (2) وَقَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:" « إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ » . فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - فَقُلْتُ فِى نَفْسِى مَا يُبْكِى هَذَا الشَّيْخَ إِنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ الْعَبْدَ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا . قَالَ « يَا أَبَا بَكْرٍ لاَ تَبْكِ ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَىَّ فِى صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً مِنْ أُمَّتِى لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِى الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلاَّ سُدَّ إِلاَّ بَابُ أَبِى بَكْرٍ » » (3) "

وَهَذَا فِيهِ ثَلَاثُ خَصَائِصَ لَمْ يُشْرِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ:

( الْأُولَى: أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ مِنْهُمْ عَلَيْهِ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ مِثْلُ مَا لِأَبِي بَكْرٍ .

( الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ:" { لَا يَبْقَى فِي الْمَسْجِدِ } . . . إلَخْ"وَهَذَا تَخْصِيصٌ لَهُ دُونَ سَائِرِهِمْ ؛ وَأَرَادَ بَعْضُ الْكَذَّابِينَ أَنْ يَرْوِيَ لِعَلِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ لَا يُعَارِضُهُ الْمَوْضُوعُ

( الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ:" { لَوْ كُنْت مُتَّخِذًا خَلِيلًا } نَصٌّ فِي أَنَّهُ لَا أَحَدَ مِنْ الْبَشَرِ اسْتَحَقَّ الْخَلَّةَ لَوْ أَمْكَنْت إلَّا هُوَ وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَفْضَلَ مِنْهُ لَكَانَ أَحَقَّ بِهَا لَوْ تَقَعُ . وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ مُدَّةَ مَرَضِهِ مِنْ الْخَصَائِصِ ؛ وَكَذَلِكَ تَأْمِيرُهُ لَهُ فِي الْمَدِينَةِ عَلَى الْحَجِّ لِيُقِيمَ السُّنَّةَ وَيَمْحَقَ آثَارَ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ"عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى الْيَوْمِ الَّذِى بُدِئَ فِيهِ فَقُلْتُ وَارَأْسَاهُ. فَقَالَ « وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَأَنَا حَىٌّ فَهَيَّأْتُكِ وَدَفَنْتُكِ » . قَالَتْ فَقُلْتُ غَيْرَى كَأَنِّى بِكَ فِى ذَلِكَ الْيَوْمِ عَرُوساً بِبَعْضِ نِسَائِكَ ». قَالَ « وَأَنَا وَارَأْسَاهُ ادْعُو إِلَىَّ أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ لأَبِى بَكْرٍ كِتَاباً فَإِنِّى أَخَافُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَيَتَمَنَّى مُتَمَنِّى أَنَا أَوْلَى. وَيَأْبَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلاَّ أَبَا بَكْرٍ » (4) وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كَثِيرَةٌ تُبَيِّنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يُسَاوِيهِ .

(1) -أخرجه مسلم (2383)

(2) - أخرجه البخاري (3904) ومسلم ( 2383) )

(3) - أخرجه البخاري (466)

(4) -أخرجه أحمد في مسنده (24931 و25855) وهو حديث صحيح

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام