وقوله: {عَلَى بَصِيرَةٍ} أتى بحرف {عَلَى} الذي يفيد الاستعلاء؛ ليبين تمكنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من هاذه البصيرة، وأنه عليها مستقر في جميع أحواله وفي جميع دعوته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {قُلْ هاذه سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} قوله: {أَنَا} قيل: هاذا تأكيد للضمير في قوله: {أَدْعُو} وسبب هاذا التأكيد ليعطف عليه قوله: {وَمَنِ اتَّبَعَنِي} . فيكون الكلام: {قُلْ هاذه سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} فيكون هو ومن اتبعه على هذين الأمرين: على بصيرة، وعلى دعوة إلى الله عز وجل، ودعوة إليه دون غيره.
وقال بعض أهل العلم: إن قوله: {عَلَى بَصِيرَةٍ} أن الكلام {قُلْ هاذه سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} ثم يستأنف خبرًا جديدًا وهو في قوله: {عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} فتكون {أَنَا} هنا مبتدأ مؤخراً و {عَلَى بَصِيرَةٍ} خبراً مقدماً، وقدم لإفادة الحصر.
وكلا المعنيين صحيح: فهو -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو ومن اتبعه على بصيرة، وهو -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن اتبعه يدعو إلى الله.
والمعنى الأول أكمل؛ لأنه يثبت له -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الدعوة إلى الله وأنه على بصيرة، ويثبت ذلك لكل من اتبعه، وهاذا لا إشكال فيه؛ لأن من اتبع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موافق له -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذين الأمرين، بل لا يكمل الاتّباع ولا يحصل إلا بموافقة هذين الأمرين: بإفراد الله عز وجل بالدعوة، وكونه على بصيرة في أمره ودعوته ودعائه وعبادته.