الصفحة 922 من 952

قال رحمه الله: (عن جبير بن مطعم -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: جاء أعرابي إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) . وهاذا كالاعتذار عما جرى، وأنه لم يحصل ما في الحديث من أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذين تلقوا عنه تعظيم الله -جل وعلا-، وكان معهم من المعرفة بالله ما يصونهم عن أن يقولوا مثل هاذا القول.

(جاء أعرابي إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله نُهِكَت الأنفس) أي: أصابها الإنهاك، وهو الإجهاد والضعف.

مناسبة الباب ما أشرنا إليه، مناسبة الباب لكتاب التوحيد: نظير ما تقدم، أن هاذا لا يكون إلا من ضعف التعظيم، وجميع الأبواب المتأخرة -كما تلاحظون- كلها في هاذا الشأن وهو بيان ضعف التعظيم، وأن ضعف التعظيم من ضعف التوحيد، ولذلك يا إخوان الاعتناء بمسألة تعظيم الله -عز وجل- مما يحقق به العبد التّوحيد، وله فوائد كثيرة من أهمها تحقيق التّوحيد؛ لأنّ من عظم الله نفى عن قلبه وجلا قلبه عن أن يقع فيه شيء من الشرك، ولذلك عاب الله -جلّ وعلا- المشركين في المواضع التي ذكر فيها شركهم، وبَيَّن سبب ما وقعوا فيه فقال: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [1] أي: ما عظّموه حق تعظيمه ولا أجلّوه حق إجلاله، ولو عظموه لما وقعوا في الشِّرك.

وقال -في سياق الآيات التي فيها بيان كفر قوم نوح، والآيات التي أقامها -جل وعلا- دالة عليه: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} [2] .

{مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} أي: تعظيمًا، ما لكم لا توقرونه توقيرًا يليق به، فالتعظيم من أعظم أسباب تحقيق التوحيد، فإذا نَمَّى العبد في قلبه تعظيم الله -جل وعلا- حصل له هاذا.

(1) سورة: الأنعام، الآية (91) .

(2) سورة: نوح، الآيات (13 - 14) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام