وأما من حيث الشرع: فالواجب أن يأمرهم بما أمره الله -عز وجل- به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من غير جفاءٍ ولا غلظة، بل بما تقتضيه الحال دون تحكم وتيئيس للناس من رحمة الله عز وجل، فإن ممن يدعو إلى الله قوماً ييئِّسون الخلق، ويقنطونهم من رحمة الله، وهاذا لا شك خلاف ما جاءت به الرّسل، وخلاف منهج النبوة في الدعوة إلى الله، وفي تحبيب الناس بهاذه الرسالة، وتنشيطهم إلى الإقبال عليها، فينبغي الحذر من مثل هاذا.
إذًا: مقصود هاذا الباب بيان أنّ الإقسام على الله عز وجل في مثل هاذا هو من ضعف قدر الله في القلب، حيث يبلغ بالعبد عمله ورؤيته لعمله أن يظن أنه حاكم على الله جل وعلا فيما يفعل، وفيما يجري منه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فالواجب على العبد أن يتوقى هاذا وأن يحذره، وأن يعلم أن فضل الله عليه سابق بالعمل الصالح، وفضله عليه لاحق بقبول هاذا العمل الصالح، فإذا كان العمل الصالح مسبوقًا بفضل، متبعًا بفضل كان من حق هاذه النعمة أن تُشْكَر، ولا تُكْفَر.
[المتن]
فيه مسائل:
الأولى: التّحذير من التألي على الله.
[الشرح]
لقول الله عز وجل: (( من ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان؟ إني قد غفرت له، وأحبطت عملك ) ).
التألي: الحلف، التألي مأخوذ من الألية، وهي الحلف، ومنه الإيلاء الذي ذكره الله في كتابه: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [1] أي: يحلفون. فالتألي: من الألية، وهي اليمين، يقال: تألى، وآلى.
[المتن]
الثانية: كون النار أقرب إلى أحدنا من شراك نعله.
[الشرح]
نعم، لم يكن بينه وبين النار إلا هاذه الكلمة التي أوبقت دنياه وآخرته، وهاذا يدل على قربها ودنوها، وأن العبد يصل إليها من أقرب طريق، نسأل الله السلامة منها.
[المتن]
الثالثة: أن الجنة مثل ذلك.
[الشرح]
(1) سورة: البقرة، الآية (226) .