(( وأحبطت عملك ) )اختلف العلماء -رحمهم الله- في حبوط العمل هنا، هل هو حبوط كلي يزول به كل ما قدمه من الحسنات، أم أنه حبوط بمعنى أن سيئته أحاطت بما يقابلها من العمل فأحبطته؟
قولان لأهل العلم:
فمنهم من قال: إنَّ الحبوط هنا ليس الحبوط الكامل الذي تذهب به الحسنات، ويكون صاحبه من أهل النار، إنما هو الحبوط الذي يحصل به ذهاب بعض الحسنات مقابل هاذا الجرم والذّنب.
وقال آخرون: إنَّ الحبوط يشمل كل عمل، فيكون دالاًّ على أن صاحبه قد خسر عمله، ويدلّ لهاذا ما جاء في حديث أبي هريرة: (( تكلّم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته ) )أي: أفسدت وأذهبت عليه دنياه وآخرته.
وجه إذهاب الدّنيا: أنه لم يحصل منها شيئًا، حيث إنه لم يستمتع بما فيها من المتاع الزائل؛ لاشتغاله بالعبادة والطّاعة.
وأما إيبَاقُ الآخرة: فهو ذهاب عمله الذي عمله، فإنه لا يحصّل ما قدمه من الأعمال؛ لأنه قد حبط بما كان معه من العُجب، والإدلال على الله عز وجل بالعمل. وهاذا يبين لنا خطورة مثل هاذا الكلام، وأنّ الواجب على العبد أن يتوقى نظير هاذا الكلام الذي يفسد عليه عمله، ويحبط ما قَدَّم من الصالحات، والإنسان ينبغي أن يحكم لسانه، ففي الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة وغيره أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفًا ) ). فالواجب على المؤمن أن يتوقى غوائل اللسان وشره، فإنه مصدر شر كثير، كما أنه سبب خيرٍ كثير، وعلاج هاذا توجيه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( من كان يؤمن بالله وليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت ) ). وليتّق الله، فإن الله جل وعلا هو المنُعِم عليه بالعمل الصالح، فينبغي له أن يشكر الله على هاذه النعمة، وأن يرحم الخلق على ما فاتهم؛ لأن فوات الصالحات في حق الخلق ليس موجبًا للعلو عليهم والتكبر، إنما يوجب الشفقة عليهم والرحمة، هاذا من حيث القدر.