(( والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان؟ ) )الاستفهام هنا استنكار، ليس استفهام استعلام، ففيه إنكار هاذا، حيث قال الله جل وعلا: (( من ذا الذي يتألى عليَّ ) )أي: من ذا الذي يحلف عليَّ، ويقسم عليَّ، ويحكم عليَّ في فعلي (( أن لا أغفر لفلان؟ ) ).
(( إني قد غفرت له ) )أي: المحلوف أن يغفر له. (( وأحبطت عملك ) )أي: وأحبطت عمل القائل الذي حلف هاذا اليمين على الله عز وجل، وأقسم هاذا القسم على الله عز وجل.
وفيه عظيم قبح هاذا القول، وأنه صادر عن جهل بالله عز وجل الذي وسعت رحمته كل شيء، وصادر عن نفس ملئت عجبًا، وإدلالاً على الله عز وجل؛ لأنه قد جاء في رواية أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أن القائل لهاذا كان عابدًا، كما ذكر المؤلف رحمه الله: (وفي حديث أبي هريرة أن القائل رجل عابد) . وقد جاء ذلك في السنن أن رجلاً عابدًا كان يرى شخصًا على المعاصي فينهاه، حتى إنه مرةً من المرات قال له: والله لا يغفر الله لك. فقبض الله جل وعلا روح العاصي، وروح المُدِل العابد، فقال للعاصي: (( ادخل الجنة ) )وقال للمدل بعبادته المستكبر بها: (( اذهبوا به إلى النار ) ).
فدل ذلك على أن قوله في هاذا الحديث: (( والله لا يغفر الله لفلان ) )ليس قولاً مجرّدًا عن علو وكبر وعجب ملأ نفسه حتى ظن أنه لا يغفر لفلان، ولذلك هاذا النوع من الإقسام الذي يتضمن التحكم على الله عز وجل في رحمته، أو في فعله المتضمن للعجب، والكبر، والرياء، وليس فيه حسن الظن، والتصديق بوعد الله عز وجل، هاذا هو الذي جاء في مثله هاذا التحذير العظيم: (( إني قد غفرت له وأحبطت عملك ) ).
(( إني قد غفرت له ) ). وهاذا فيما إذا كان دون الشرك ولا شك، وهو يبين لنا أن ما كان عليه هاذا الذي حُلِفَ أنه لا يغفر له مما دون الشرك؛ لأن الله -جل وعلا- قضى أنه لا يغفر الشرك، فهاذا في حق من لم يشرك.