هاذا ما ظهر من العلل فيما ذكره المؤلف رحمه الله، ومما دلت عليه النصوص الأخرى من العلل، وقد عَلَّلَ به العلماء تحريمَ التصوير أن التصوير وسيلة من وسائل الشرك؛ لأنه يُفضي إلى تعظيم المصوَّر، ولا شك أن هاذا ظاهر فيما إذا كان المصوَّر أهلاً للتعظيم، أي: أهلاً لشيء من التقدير والاحترام، كأن يكون صاحب عبادة أو صاحب علم أو صاحب طاعة، كما جرى من قوم نوح -عليه السلام-، حيث صَوَّرُوا تصاوير الصالحين فيهم، فكان عاقبةُ أمرهم أن عبدوهم من دون الله، وهاذه العلة لم يرد لها نصٌّ فيما ذكر المؤلف -رحمه الله- من الأحاديث إلا في حديث أبي الهياج، فإن قرنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين الصور والقبور دالٌّ على العلة، وهي ألا يُغلا فيها وتكون سببًا للوقوع في الشرك، كما أن الغلو في القبور سبب للوقوع في الشرك فكذلك الغلو في الصور، فهاذه ثاني علة من العلل التي علل بها العلماء تحريم التصوير.
كذلك: منع دخول الملائكة، وهاذا مأخوذٌ من قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة ) ). والحديث في الصحيح، فإنه يدل على تحريم التصوير؛ لأن اقتناءه سبب لمنع دخول الملائكة، وما كان سببًا لمنع دخول الملائكة فإنه دالٌّ على التحريم.
يُشكِل على هاذا أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه جنبٌ، والجنابة ليست محرمة؟ لكن الجواب على هاذا الإشكال أن يقال: إن التحريم في الجنابة لا في حصولها، إنما في استدامتها وإبقائها، فإن استدامة الجنابة لا شك أنها محرمة؛ لأنها سبب لتفويت الواجبات ومقارنة الشياطين، ولذلك شُرِع لمن أَجْنَب ألا ينام إلا على طهارة، واختلف العلماء في حكم الطهارة لمن أراد النوم، هل هي واجبة أو مستحبة؟
الجمهور على أنها مستحبة، وذهب جماعة من العلماء إلى أنها واجبة؛ لحديث عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.