وهاذا فيه بيانُ عظيمِ إثمِ التصوير، فإن كل مصور في النار، وهاذا فيه الخبر بأن المصورين في النار، وأن التصوير من كبائر الذنوب، وأن عقوبته أن يُجعل له بكل صورة صورها نفسٌ يُعذب بها في جهنم، وهاذا بيانُ مدة بقائه في جهنم، أو نوع عقوبته في جهنم، فإن (كل مصور في النار) هاذا الخبر عن أنه استحق النار، أما ما الذي يجري له في النار؟ فإنه (يُجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم) . وهاذا يُبيِّن أن الممنوع من التصوير هو ما كان تصويرًا لذوات الأرواح؛ لأن ما لا روحَ له ليس له نفس، وقد قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يُجعل له بكل صورة صورها نفس) . فما لا نفس فيه لا يستحقُّ صاحبه العقوبة بالنار؛ لأنه لم يصور ما له نفس، مع أن عموم قوله: (كل مصور) يشمل من صَوَّر ما له نفس وما ليس له نفس، ما له روح وما ليس له روح، لكن تتمةُ الحديث تبيِّن المقصود والمراد.
ثم قال: (ولهما) أي: للبخاري ومسلم (عنه) عن ابن عباس مرفوعًا إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( من صور صورة في الدنيا كُلِّف أن يَنْفُخ فيها الروح، وليس بنافخ ) ).
(( من صور صورة ) )، وهاذا يشمل كل صورة؛ لأن (( صورة ) )نكرة في سياق الشرط فتَعُمُّ، لكن تتمة الحديث يأتي من قِبَلها التقييدُ.
(( كُلِّف أن يَنْفخ فيها الروح ) )أي: يكلفه الله -عز وجل- أن ينفخ فيها الروح تعذيبًا له، وإرغامًا له، وبيانًا لعجزه وعدم قدرته، وأنه وإن وافق خلق الله في الصورة، فإنه عاجز عن تمام الموافقة؛ لأن الروح من أمر الله -عز وجل-، لا تكون إلا بأمره، فليس للناس إليها سبيل، وليس لهم عليها قدرة.
(( كُلِّف أن ينفخ فيها الروح ) )يعني: التي يحصل لها بها الحياة.
(( وليس بنافخ ) ). أي: هاذا التكليف تكليف عقوبة، وليس تكليفاً يُرجى منه الامتثال والطاعة.