فلا ينبغي الاشتغال باللوم على ما فات، بل ينبغي أن يُعلم أن ما كان مما يكرهه الإنسان، وما جرى مما لا يحبه الإنسان إنما هو بقضاء الله وقَدَرِه، ولحكمةٍ كان، لحكمةٍ قد تَخفى، قد يُجهِد الإنسان نفسه في التوصل إلى حكمة أمرٍ ما، لكنه لا يتوصَّل، فلا يعني هاذا أنه لا حكمة، بل الإيمان المجمَل العام أنه ما من شيء إلا وفيه حكمة يكفي في الجواب عن الحكمة التي خَفِيت عليك في الأمر المعيَّن، فإذا فتح الله عليك، وأدركتَ الحكمة في الأمر المعيَّن الذي تكرهه، أو الذي كرهتَ وقوعه فاعلم أن الله -جل وعلا- قد فتح عليك ما يرسَخ به إيمانك، ويزداد به يقينُك؛ لأن إدراك تفاصيل الحِكَم في الأحكام والوقائع، الأحكام الشرعية، والأحكام القدرية مما يُثَبِّت اليقين، ومما يَسْكُن به القلب ويطمئن، بخلاف ما لو خفيت عليه الحكمة، لكن الحل في مثل هاذا، إذا خفيت عليك حكمة تفصيلية في حكم قدري أو في حكم شرعي، فارجع إلى أي شيء؟ إلى أن الله -جل وعلا- حكيمٌ خبيرٌ، إلى أنه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لا يفعل شيئًا من الأشياء ولا يقضي شيئًا من الأقضية إلا لحكمةٍ.
ثم قال رحمه الله: (وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم) .
هاذا إشارة إلى نوعي الظن السيئ، وأنه يكون فيما يختص بالإنسان، ويكون فيما يتعلق بغيره.
يقول: (ولا يسلم من هاذا إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته، ومُوجَب حكمته وحمده) .
(مُوجَب) يعني: ما يترتب، وما تقتضيه حكمته ورحمته. (ومُوجَب حكمته وحمده، فليعتَنِ اللبيبُ الناصح لنفسه بهاذا) . أي: بهاذا الأمر وهاذا الشأن. وهاذا أمرٌ يحتاج إلى عناية كما قال ابن القيم رحمه الله، وقد ذكر كلامًا أطول من هاذا، لكن الشيخ اختصر من كلامه زُبَدًا وخلاصةً، فمن أراد الاستزادة فليرجع إلى هاذا الكلام في (زاد المعاد) في المجلد الثالث.