الصفحة 855 من 952

ولا شك أيها الإخوة أن الناس إذا أحاط بهم أمرٌ من الأمور من كل جانب، كما هو الحال في واقع أمة الإسلام الآن، لما أحاط بها أعداؤها وفقدت الأمل، قد يتسرب إلى قلوب كثير من الناس ظن السوء بالله -عز وجل-، لكن على المسلم أن ينفي عن قلبه ذلك، وأن يُصَدِّق بوعد الله -عز وجل- الذي أَخْبَر به كما أنه أخبر أنه لا يُخلِف الميعاد، فالواجب عليه أن يؤمن بهاذا وهاذا: يُصَدِّق بالوعد، ويُصَدِّق أنه وعدٌ لا يُخلَف، وأنه واقع، وأن تأخره إنما هو لحكمة، فالله -جل وعلا- يُجري الأمور على ما اقتضته حكمته، لا يقدم ما يستحق التأخير، ولا يؤخِّر ما يستحق التقديم، بل كل شيء بقضاء وقدر، وكل شيء قد أحاط به -جل وعلا- وعَلِمَه، فالله بما يجري محيطٌ، وهو عليه شهيد -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، لا تخفى عليه خافية، لكنه مع هاذا كله لطيفٌ لما يشاء، فهو -جل وعلا- يُبْرِم لأوليائه وأهل دينه من النصر وصنعة الحق ما لا تدركه أبصارُهم، وقد يخفى عليهم شيءٌ كثير من ذلك، لكن ينبغي على المؤمن أن يُصّدِّق جازمًا بوعد الله -عز وجل-، ولا يتسرب إلى قلبه شيءٌ من الظن السيئ، وأن الله سيُدِيل أهل الكفر على أهل الإسلام، أو أن الله لا ينصر أهل ملة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو ما أشبه ذلك من الظنون التي قد تتسرب إذا ضاقت الأمور على الناس، ورأوا اضمحلال الخير، وزوال أعلامه، وانتشار الباطل وفُشُوَّه وظهوره، فإن الله -عز وجل- تكفل بحفظ هاذا الكتاب، وتكفل بحفظ هاذه الأمة بحفظ كتابه؛ لأن الكتاب لا يمكن أن يُحفظ إلا بحفظ بحفظ حملته: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [1] .

(1) سورة: الحجر، الآية (9) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام