{قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} . أجاب الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- على ظنهم السيئ، وقولهم الذي يُشعر بما في قلوبهم من ظن الجاهلية: {إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} فلا مُعَقِّب لحكمه؛ لأنهم قالوا: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} . فهم اعترضوا على قَدَر الله وقضائه، وما اقتضته حكمته من مجريات الأحداث ووقائعها بأنه يدل على أنهم ليس لهم من الأمر شيء، فأجاب الله على هاذا الاستفهام وهاذا الإنكار: {إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} وهو واقع، فليس لكم من الأمر شيء.
وقوله: {إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} يشمل الأمر الشرعي، ويشمل الأمر الكوني: فالأمر لله شرعًا، والأمر له -جل وعلا- قدرًا، وإذا كان كذلك فالواجب على العبد -كما أنه منقادٌ لأمر الله القدري لا يخرج عنه أحد مهما كان- أن ينقاد لأمره الشرعي كانقياده لأمره القدري، حتى يَكْمُل في مراتب الإحسان، ويتم له الإيمان.
قال رحمه الله: قال الله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ} .
الظن يا إخواني يُطلق في اللغة، ويراد به: ما غَلَبَ فيه أحد الطرفين على الآخر، ولذلك قال الناظم في معنى الظن:
والظن تجويز يكون راجحا
وهو درجة من درجات العلم، فهو تجويز، يعني تجويز ماذا؟ تجويز أحد الطرفين، إما الإثبات وإما النفي، لكنه في أحدهما أو إلى أحدهما أميلُ، وفي أحدهما أقوى، هاذا الظن. وهنا في قوله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} يحتمل أن يكون هاذا المعنى الذي هو: غَلَّبوا فيما يتعلق بالله جانب السوء، ويحتمل أن الظن هنا بمعنى اليقين، وهل يأتي الظن بمعنى اليقين؟