الصفحة 849 من 952

أما مناسبته للباب الذي قبله: فإن الباب الذي قبله فيه التَّعَنُّتُ على القدر وذمه، وذلك بسب ما يُجريه الله -عز وجل- من الوقائع والأحداث، ومن ذلك أي: ويشارك هاذا في الإثم ويشابهه ويقاربه: أن يظن الإنسان بربه ظنّاً سيئًا.

ثم قال -رحمه الله- في هاذا الباب: (باب قوله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [1] .) ذكر هاذه الآية وهي من سورة آل عمران، والآية الثانية التي ذكرها: {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} [2] وهي في سورة الفتح.

الجامع بينهما: ذِكْرُ عاقبة الظن السيئ، الأولى فيها بيان شيء من الظن السيئ بالله -عز وجل-، والثانية فيها جزاء الظانين به -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ظنّاً سيئًا، فالأولى فيها بيان نوع من أنواع الظن السيئ، قال الله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ} أي: غير ما يجب اعتقادُه وظنُّه في الرب -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.

{ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} أي: إنه لا يكون هاذا الظن إلا من أهل الجاهلية، وأهل الجاهلية هم الذين لم يعلموا ما للرب من كمال الصفات، وبديع الأوصاف، وجميل الأفعال، أو أنهم علموا وخالفوا مقتضى علمهم، فإنهم أيضًا موصوفون بأنهم من أهل الجاهلية؛ لأن الجاهلية مأخوذةٌ من الجهل، والجهل يكون بأمرين:

الأمر الأول: عدم العلم.

والثاني: عدم العمل بالعلم.

كل هاذا يَصدُق عليه وصف الجهل والجاهلية، فإضافة الظن هنا إضافة الظن إلى سببه، يعني: الظن الصادر عن جهل، أو إلى أهله، وهم المتصفون بهاذا الوصف.

{يَقُولُونَ} : هاذا بيان لظنهم.

{يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ} . الاستفهام هنا استفهام ما نوعه؟ إنكاري، يعني: ليس لنا من الأمر شيء.

(1) سورة: آل عمران، الآية (154) .

(2) سورة: الفتح، الآية (6) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام