الصفحة 848 من 952

قال ابن القيم في الآية الأولى: فُسِّر هاذا الظن بأنه -سبحانه- لا ينصر رسوله، وأن أمره سيضمحل، وفُسِّر بأن ما أصابه لم يكن بقدر الله وحكمته، ففُسِّر بإنكار الحكمة، وإنكار القدر، وإنكار أن يتم أمر رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأن يُظهره الله على الدين كله، وهاذا هو ظن السَّوْء الذي ظنه المنافقون والمشركون في سورة الفتح، وإنما كان هاذا ظن السَّوْء؛ لأنه ظن غير ما يليق به سبحانه، وما يليق بحكمته وحمده ووعده الصادق، فمن ظن أنه يديل الباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها الحق، أو أنكر أن يكون ما جرى بقضائه وقدره، أو أنكر أن يكون قدره لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد، بل زعم أن ذلك لمشيئة مجردة، فذلك ظن الذين كفروا {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [1] . وأكثر الناس يظنون بالله ظن السَّوْء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلَم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته وموجب حكمته وحمده.

فليعتنِ اللبيب الناصح لنفسه بهاذا، وليتبْ إلى الله وليستغفره من ظنه بربه ظن السَّوْء. ولو فتشت من فتشت لرأيت عنده تعنتًا على القدر وملامة له، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقِل ومستكثِر، وفتش نفسك: هل أنت سالم؟

فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا إخالك ناجيا

[الشرح]

فهاذا الباب مناسبته لكتاب التوحيد ظاهرة: وذلك أن الظن السيئ بالله -عز وجل-، ظن السَّوْء فيه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من أعظم القدح فيه جل وعلا، في أسمائه وصفاته وأفعاله، وفيما يجب له من الطاعة؛ لأنه أمرنا بحسن الظن به. هاذا وجه دخول هاذا الباب في كتاب التوحيد.

(1) سورة: ص، الآية (27) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام