الصفحة 832 من 952

والصحيح أن الحديث على وجهه: (( لا يسأل بوجه الله إلا الجنة ) )، ولكن الحديث أشمل من تخصيص الجنة، بمعنى: أنه يتناول سؤال الجنة بوجه الله، فيجوز أن يقول: اللهم إني أسألك بوجهك الكريم أن ترزقني الجنة، أو أن تجعلني من أهل الجنة، أو أن تَمُنَّ عليَّ بجنة عدن، أو ما أشبه ذلك، وكذلك كل ما كان سبيلاً وسببًا لدخول الجنة، فإنه من سؤال الجنة من حيث الغاية والمقصد، فله أن يقول: اللهم إني أسألك بوجهك الكريم أن ترزقني الاستقامة، أو أن تَقِيَني شرَّ نفسي، أو أن تعيذني من الشيطان الرجيم، أو ما أشبه ذلك، فإن هاذا مآله في الحقيقة أنه سؤال للجنة؛ لأنه سؤال لسبب من أسباب دخولها، والذي يُمنع هو: ذِكْرُ وجه الله في المسألة فيما يتعلق بأمر الدنيا؛ لأن شأن الله عظيم، ووجهَه كريم أعظم من أن يُسأل في حقيرٍ من أمر الدّنيا، فإذا سأل الإنسان شيئًا من الدنيا متوسِّلاً بوجه الله -عز وجل-، فإنه يتأكد على المسؤول أن يجيب السّائل، يتأكد على المسؤول أن يجيب مَن سأله، وهو أعظم من أن يقول له: أسألك بالله؛ لأنّ الوعيد وَرَدَ في حق من سأل بوجه الله، فقد قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث الذي ذكرناه، حديث أبي موسى عند الطبراني: (( ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من سُئِل بوجه الله ثم لم يعط ما لم يكن هُجرًا ) ). وقد قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث الآخر: (( ألا أخبركم بشر البليَّة؟ ) )قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (( من سُئِل بالله أو بوجه الله ثم لم يعطِ سائله ) ). والحديث عند النسائي وأبي داود وغيرهما.

المراد أن الوعيد ورد في حق من منع مَن سأله بوجه الله، ولذلك قال الهيثمي في الزواجر في كتاب الكبائر: إنَّ مَنْعَ السائل بوجه الله معدودٌ من الكبائر، والسؤال بوجه الله من الكبائر؛ لورود اللعن في حق الاثنين.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام