وهاذا قَيْدٌ مهم؛ لقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تُرَوا أنكم قد كافأتموه ) ). وفيه أن أدنى ما يكون من المكافأة الدعاء، وإلا فالأصل أن يقابِل الإحسانَ بإحسانٍ من جنسه، أو مما هو أعلى منه، لكن من عَجَز عن هاذا وقَصُرَت حيلته في مكافأة من أحسن إليه فلا يعدم سبيلاً يستطيعه كلُّ أحد، وهو أن يدعو لمن صنع إليه معروفًا بالخير، ومن هاذا دعوتُه لمن تعلَّم منه واستفاد منه خُلقًا أو علمًا، أو أي أمر مما يحصل به النفع؛ لأن الإنسان قد يستفيد من شخص لا يستطيع أن يلتقي به، كأن يسمع شريطًا فيه خير ولا يستطيع أن يكافئ من أحسن إليه بفائدة علمية أو توجيه، كَفَّ عنه شرّاً أو حثه على خير، فمن حقه أن يدعو له، وإذا عَوَّد الإنسان نفسه هاذا طابت نفسه وأصبح مسابِقًا إلى مكافأة الناس، وإلى الإحسان إليهم.
أما إذا كان جَحُودًا، يأخذ من الناس الخير ثم لا يعطيهم شيئًا مقابل هاذا، ولو كان دعاءً، كان هاذا تعويدًا للنفس على الخمول وعدم مقابلة الإحسان بمثله، ويصبح الإنسان كالذي يأكل ولا يشبع، يأخذ من الناس الخير ولا يقابل ذلك بإحسان مثله.
[المتن]
السادسة: قوله: (( حتى تُرَوا أنكم قد كافأتموه ) ).
[الشرح]
في بيان الغاية التي ينتهي إليها الدعاء لمن صنع معروفًا إذا لم يقدر إلا على الدعاء.
بسم الله الرحمان الرحيم
[المتن]
باب: لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة
عن جابر قال: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( لا يسأل بوجه الله إلا الجنة ) ). رواه أبو داود.
[الشرح]
هاذا الباب تتمة للباب الذي قبله، وهو موافق له في المعنى والغرض.
يقول رحمه الله: (بابٌ: لا يسأل بوجه الله إلا الجنة.)
(لا) هنا: نافية أو ناهية، ففيها النهي عن السؤال بوجه الله إلا الجنة، وفيه النفي عن أن يسأل المرءُ بوجه الله غيرَ الجنة.