أما إذا كان هاذا على وجه التّعظيم فإنه لا يجوز ولا إشكال، لكن إن كان هاذا على وجه البيان والإخبار بواقع الحال، وأن الربوبية هنا ليست الربوبية التي تقتضي ما يقتضيه وَصْفُ الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من أنه الرب -جل وعلا- ربُّ العالمين، فإن العلماء قالوا: النهي هنا نهيٌ للتنزيه، وليس نهيًا للتحريم.
واعلم أن إضافة الربوبية أو اسم الرب إلى الغير على أوجه:
الإضافة إلى الاسم الظاهر، كقول: رب الغلام، رب زيد، وما أشبه ذلك، فظاهر الحديث جواز هاذا النوع؛ لأنه لم يُنْهَ عنه.
الإضافة إلى الضمائر وهي أنواع:
ضمير المتكلم، كقوله: ربي.
ضمير الغائب، كقوله: ربه.
ضمير المخاطَب، كقوله: ربكَ.
الذي ورد النهي عنه: ما كان بصيغة المخاطَب؛ حيث إنه قال: (( لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضئ ربك ) ). ولا يخلو هاذا القول في ضمير المخاطَب أن يكون صادرًا عن المالك للعبد نفسه، أو أن يكون صادرًا عن غير المالِك: فإن كان صادرًا عن المالك فإنه يُنهى عنه نهيًا مؤكدًا، وإن كان صادرًا عن غير المالك فإنه جائزٌ ما لم يكن فيه إذلالٌ واحتقارٌ للمخاطَب، فإنه يُنهى عنه لأجل الإذلال والاحتقار.
أما إذا كان المخاطِب بذلك هو المالك نفسه فإنه ينهى عنه؛ لما فيه من التعاظم والعلو، فالإنسان لا يقول لعبده: أطعم ربَّكَ؛ لما فيه من العلو والارتفاع، لكن لو قال له آخر: أطعم ربك، فإنه لا بأس بذلك، ودليلُه قول الله تعالى في قصة يوسف: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ} [1] ، وكقوله: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [2] .
(1) سورة: يوسف، الآية (50) .
(2) سورة: يوسف، الآية (42) .