يقول -رحمه الله- في سياق سبب نزول الآية: (أنه قال رجل في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قرّائنا هؤلاء) . غزوة تبوك معروفة، وهي من أشد الغزوات التي غزاها رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فيها من الشدة والعسر والضيق ما لم يكن في غزوة، خرج رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه ولم يلقَوا عدوّاً فرجعوا، يقول رواة هاذا السبب في نزول الآية، أنَّه قال رجلٌ: أي من المنافقين (في غزوة تبوك) ولا يُعلم هل هو في الذهاب أو في المجيء: (ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء) المقصود بالقرَّاء: العلماء، وليس القرَّاء الذين يحسنون القراءة؛ لأن أعلم الناس في ذلك اليوم رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بل هو أعلم الناس على وجه الإطلاق -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ومع ذلك فهو لا يقرأ ولا يكتب.
فالمقصود بالقرَّاء أي أهل العلم لا من يُحسن القراءة فحسب، فإنَّ من الناس من يحسن القراءة ولا يوُصَفُ بالعلم، كما قال الله -جلَّ وعلا- في وصف الذين يقرؤون الكتاب ولا يعملون به ولا يقفون عند نصوصه فهمًا وتدبرًا: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ} [1] يعني: إلا قراءة على أحد التفسيرين، أو على التفسير المشهور.
(مثل قُرَّائِنا هؤلاء) يريد رسولَ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابَه العلماء كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والمبشرين بالجنة وغيرهم من أفاضل الصحابة.
(أرغب بطونًا) أي أوسع بطونًا، وهاذا دليل على أيِّ شيء؟ على كثرة الأكل، أنهم كثيرو الأكل.
(ولا أكذب ألسُنًا) أي ولا مخالفة في خبرهم للواقع، يعني: لا يخالف قول أحد الواقع كمخالفة خبر هؤلاء للواقع، هاذا معنى (ولا أكذب ألسُنًا) أي: إن ألسنتهم تشتغل بالكذب ولا تقول الحق.
(1) سورة: البقرة، الآية (78) .