الصفحة 770 من 952

ولأنهم اعتذروا بأنهم أرادوا اللعب، واللعب هَزل نقيض الجِد ومع ذلك سماه الله استهزاءً، فالآية دالة على أنَّ من استهزأ أو استخف أو لعب بشيء مما يتعلق بالله، بأسمائه أو صفاته أو أفعاله فإنَّه كافرٌ بالله العظيم.

كذلك من استهزأ بآيات الله الخلقية والشرعية فإنه كافر بالله العظيم، من استهزأ برسول من الرسل فهو كافر بالله العظيم.

وقد نقلَ جماعةٌ من العلماء الإجماع على هاذه الأمور كلها، وأنه من هَزَل وأنه من استهزأ بشيء مما يتعلق بالله أو بآياته أو بالرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه كافر، وقد اتفق على هاذا علماء الأمة، وهو واضح لا لبس فيه في هاذه الآية؛ لأن الله -جل وعلا- أجابهم بهاذا الجواب الواضح الصريح فقال: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} .

ثم بعد ذلك قال الله -جل وعلا- في بيان انقسامهم بعد هاذا الحكم عليهم: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [1] فدلّت الآية على قَبُول التوبة ممن استهزأ وهزل بشيء مما يتعلق بالله أو بآياته أو برسوله، وهاذا من رحمة الله -جل وعلا-؛ لأن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ذكر حالهم بعد هاذا في حالين:

الحال الأولى: من يُعفى عنهم.

والحال الثانية: من يمتنع العفو عنهم.

وانظر: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ} لماذا يعفو عنهم؟ لتوبتهم وندمهم واستغفارهم، {نُعَذِّبْ طَائِفَةً} ما السبب؟ {بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} مصرين مداومين على الاستهزاء بالله وآياته ورسوله، وهاذا فيه أنَّ التوبة لا تُقبل من أمثال هؤلاء؛ لأنهم لم يأتوا بمقتضاها وهو النزوع والإقلاع، فإنَّ الله وصفهم بالإجرام الدال على استمرار المعصية.

(1) سورة: التوبة، الآية (66) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام