الصفحة 769 من 952

فجاءهم الجواب من رب العالمين مأمورًا فيه بالتبليغ، حيث إنَّ الله أمر رسولَه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبلغهم الجواب على هاذا الذي قالوه وأجابوا به سؤال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} هاذا فيه تعظيم الاستهزاء، يعني: هل هاذا محل استهزاء؟ هل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الذي له الأمر كله وهو رب السماوات والأرض محل للاستهزاء؟ هل آيات الله المُعرِّفة به الدالة عليه محل للاستهزاء؟ هل الرسول الذي جاءكم بخير الدنيا والآخرة، جاءكم بالهدى الذي تخرجون به من الظلمات إلى النور محل للاستهزاء؟ فالاستفهام هنا استفهام إنكار، وإنكار عظيم، وهو تقديم للحكم، يعني: تقدم هاذا الإنكار للحكم لبيان أنه واضح لا يحتاج إلى أن يُعَلَّم، فإن الفِطَر تأبى مثل هاذا وتَرُد مثل هاذا: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} إذا كان كذلك {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} فنهاهم الله -جل وعلا- عن الاعتذار، ونهيه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- إياهم عن الاعتذار بيان أنه عُذر غير مقبول. {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} . فحَكَم الله -جل وعلا- عليهم بالكفر بسبب استهزائهم بالله وآياته ورسوله.

والاستهزاء: هل هو الهَزْل؟ الهَزل من الاستهزاء ولكنه أعم؛ لأن الاستهزاء هو الاستخفاف بالشيء والاستهانة به، أما الهَزل فهو أوسع من مفهوم الاستهزاء، فيشمل الاستخفاف ويشمل ما ليس باستخفاف لكنَّه ليس بجِد، إذ إن الهَزْل نقيض الجِد، فالمؤلف رحمه الله ترجم للباب بما هو أوسع ممّا دلَّت عليه الآية، وذلك أنَّ الهَزل يتفق مع الاستخفاف والهزو في الكفر.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام