{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} لم يُبَيِّن المسؤول عنه، لكنه تَبَيَّن من جوابهم، فهو لم يُبَيِّن لنا ماذا سألهم عنه، لكنّه يتَبَيَّن من جوابهم {لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} قال: {لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} ثم جاء بيانُ المسؤول عنه والمُجاب في قوله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} فهاذه الآية بَيَّنَت المسؤول عنه، يعني: موضع السؤال والجواب، هو في الاستهزاء بالله وآياته ورسوله، وذلك على ما بَيَّنه المؤلف -رحمه الله- من سبب نزول هاذه الآية.
فإنَّ الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أخبر رسولَه عن جوابِ المنافقينَ وحالهم: {لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} يا محمد عن قولهم وعملهم {لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} وهاذا فيه الحصر في بيان الجواب، فالجواب محصور بهاذا الأمر، يعني: لم نقصد ما صدر مِنَّا، إنما غرضنا مما تنقمه علينا الخوض واللّعب، لا حقيقة ما جرى به اللسان وتكلَّمنا به من الاستهزاء بالله وآياته ورسوله، أَتَوا بالحصر الدّال على نفي كل غرض غير المذكور في الحصر.
{نَخُوضُ} والخوض هو: الشّروع في الشيء على وجه التَّخَوُّض والانهماك، وأصل الخوض هو الولوج في الماء، السير في الماء، ثم أُطلِق على كلِّ ولوجٍ في أمرٍ باطل، هاذا معنى الخوض.
وأما قوله: {وَنَلْعَبُ} فهاذا فيه بيان أنَّ ما جرى منهم من تَكَلُّمٍ بالباطل ليس مقصودًا لهم، إنما هو لعب، واللعب: الذي لا فائدة فيه، يعني: أننا اشتغلنا بما لا فائدة فيه دون أن نظن أنه يضرنا، أي: لم نعتقد ما تكلّمنا به، ولم نظن أن يبلغ ما قلناه ما ذكرتَه من الكفر.
فنفَوا أمرين: نَفَوا قصد الكلام الذي قالوه، ونَفَوا علمهم بأي شيء؟ بما يترتّب على هاذا القول من حكم، ما ندري أن هاذا يُوصل إلى الكفر، إنما نخوض ونلعب.