وهاذا فيه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقر الحَبر فيما ذكره من أن هاذا من الشرك، حيث إنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يَرُد على اليهودي مقَالته، بل أمر المسلمين بأن ينتهوا عمّا فيه شرك، فأمرهم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، أي: يحلفوا برب الكعبة، لا بالكعبة، فإن الكعبة مخلوق من مخلوقات الله جل وعلا، لا يجوز الحلف به، وإن كانت معظمة، لكنه تعظيم من تعظيم الله -جل وعلا-؛ لأن الله عظم شأنها، ولا يجوز لأحد أن يحلف بغير الله مهما كان المحلوف به له من المكانة والعظمة عند رب العالمين، فهاذا شأن والحلف واليمين شأن آخر، فلا يُجَوِّز تعظيم الله للشيء أن يُحْلَف به؛ لأن الحلف حق لله جل وعلا، كما تقدم في الأحاديث السابقة في الأبواب المتقدمة. والشّرك الذي أخبر به هاذا اليهودي، وأقرّه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحتمل أن يكون الشرك الأكبر، ويحتمل أن يكون الشرك الأصغر، لكن الظّاهر أنه شرك أصغر؛ لأنّه لا يمكن أن يكون من الشرك الأكبر ويكون النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد تركه وغفل عنه، إنما هو من الشرك الجاري في الألفاظ دون إرادة التسوية بالرب -جل وعلا- من كل وجه، فإنَّ هاذا لم يكن منهم -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، (أمرهم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا:(( ورب الكعبة ) ).) رب: خالق، ويمكن أن يكون بمعنى صاحب؛ لأن الكعبة بيت الله جل وعلا، فالإضافة هنا إضافة خلق، وإضافة تشريف، وإضافة صُحبة، فالله هو صاحب هاذا البيت. (وأن يقولوا:(( ما شاء الله ثم شئت ) ).) وهاذا يدل على أن (ثم) تفيد التعقيب والتراخي، وأنها ليست كالواو في المعنى، وإن كانت تتفق مع الواو في أنها تفيد العطف، لكنه عطف مع التراخي والتعقيب ونزول الرتبة.