المعنى الأول: أن يُحلَف له بالله ولا يرضى، ما يصدّق الحالف مع قيام علامات صدقه، يقول له شخص: والله ما فعلت كذا، ثم هو يقول: ما عليك ما صدقتك، هاذا لم يرض، ولو كان قلبه مليئًا بتعظيم الله لقبل يمينه؛ لأنّه من تعظيم الله أن يقبل اليمين به -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
الصورة الثانية التي تدخل في عدم القناعة بالحلف بالله: أن يقول له: والله ما فعلت كذا، يقول: يا أخي لا، احلف بالنبي، احلف بالولي الفلاني، احلف بالكعبة، احلف بجبريل، احلف بعلي؛ لأنه عنده أن الحلف بهؤلاء أعظم من الحلف بالله، فهاذا لم يَقْنَع بالحلف بالله، وهاذا أعظم من الأول، الأول نقص في التّعظيم، وهو معصية، والثاني: شرك بالله العظيم؛ لأنه لم يرض بالحلف بالله.
فقول المؤلف: (باب ما جاء فيمن لم يَقْنَع بالحلف بالله) يشمل الصّورتين، فمناسبته لكتاب التوحيد واضحة.
أما مناسبة هاذا لما قبله: فما قبله تضمّن النهي عن التنديد بالله -عز وجل- في قوله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [1] . ومن ذلك الحلف بغير الله تعالى، فجاء هنا ليبين أن من طلب الحلف بغير الله فإنه ليس من الشرك.
قال رحمه الله: (عن ابن عمر، أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:(( لا تحلفوا بآبائكم ) ).) وهاذا نهي عن الحلف بالآباء، وقد كان جاريًا في كلام العرب الحلف بالآباء؛ لتعظيم العرب لآبائها، فنهاهم الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك، ثم وجههم فقال: (( من حلف بالله فليصدق ) ). وهاذا فيه البيان أن الواجب الحلف بالله؛ لأنه لما نهى عن الحلف بالآباء، وذكر أن من حلف بالله فليصدق بين وجوب الحلف بالله، وأن من كان حالفًا فليحلف بالله كما جاء في الأحاديث: (( من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت ) ).
(1) سورة: البقرة، الآية (22) .