الصفحة 717 من 952

ثم قال: (وقال ابن مسعود: لأن أحلف بالله كاذباً أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقاً) . هاذا الكلام من ابن مسعود -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فيه بيان عظيم الشرك، وأنه أعظم من كبائر الذنوب، فالحلف بغير الله شرك، ولو كان الإنسان صادقًا في يمينه، بارّاً في قسمه، لكن هاذا لم يشفع له- يعني: حسنة الصدق، والبر في اليمين-؛ لأنه وقع في الشرك الذي هو أعظم الظلم، لكنه لو حلف بالله على كذب لكان خيرًا له من أي شيء؟ من أن يحلف بغير الله صادقًا؛ لأنه يكون قد وقع في معصية وذنب؛ لأنه من كبائر الذنوب؛ لأنه كذب والكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وهي اليمين الغموس أيضًا؛ لأنها حلف على كذب، ومع ذلك مع كونها غموسًا، وكذبًا يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، ولو لم يكن فيها قسم، هي أهون عند ابن مسعود -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- من أن يحلف بغير الله صادقًا، وهاذا يدل على أن الحلف بغير الله لا ينزل عن درجة المحرمات وكبائر الذنوب، فكيف يقال بأنه مكروه؟

ثم قال رحمه الله: (وعن حذيفة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:(( لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان ) ).) هاذا فيه التوجيه إلى إقامة القول في المشيئة، إذا أضاف مشيئة غير الله إلى الله أن لا يُسَوِّي بينهما باللفظ؛ بل يجب أن يُفاضل، وأن يُقدِّم مشيئة الله على مشيئة غيره، وأن يُؤخِّر مشيئة الخلق تأخيرًا واضحًا بـ (ثم) التي تفيد التّعقيب والتأخير والتراخي.

(لا تقولوا) هاذا نهي من النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للأمة (لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان) وهاذا لا بأس به؛ لأن للعبد مشيئة، لكنها مشيئة متأخرة مغلوبة بمشيئة الله الغالبة التي هي فوق كل شيء: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [1] .

(1) سورة: الإنسان، الآية (30) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام