وكذلك السنة كما قال ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في هاذا الأثر. والواجب في المحكم الإيمان به، والواجب في المتشابه أن يُرد إلى المحكم ويفسر بالمحكم. مثال المحكم: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [1] . مثال المتشابه في هاذا الباب: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} [2] . فإنّ الله -جل وعلا- أخبر عن نفسه بصيغة الجمع: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا} وهاذا خبر عنه بصيغة الجمع، فيحتمل أن يراد التعدد، ويحتمل أن يراد التعظيم، فالنص متشابه لأنه يحتمل احتمالين، فأي الاحتمالين نأخذ؟ هل نأخذ التعدد؟ أو نأخذ ما دل عليه المحكم من أنه واحد وأن الصيغة هنا الجمع للتعظيم لا للتعدد؟ الثاني، وهاذا معنى حَمْل المتشابه على المحكم، أي أن نَرُد المعاني المترددة في النص الواحد إلى ما دلت عليه النصوص المحكمة، هاذا معنى المحكم والمتشابه، فالواجب في المحكم قبوله والإيمان به، والواجب في المتشابه رده إلى المحكم وعدم ضرب بعضه ببعض، أي ضرب القرآن بعضه ببعض، أو النصوص بعضها ببعض.
ثم قال رحمه الله: (ولما سمعت قريش رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذكر:(الرحمان) أنكروا ذلك). أي أنكروا على النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هاذه التسمية، وذلك كما جاء في عدة آثار: في صلح الحديبية أنه لما كتب بسم الله الرحمن الرحيم قالوا: لا نعرف هاذا، اكتب: باسمك اللهم، فنزل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند قولهم؛ لأن الأمر في هاذا واسع، يعني الأمر فيه واسع من حيث كتابة بسم الله الرحمن الرحيم، أو كتابة باسمك اللهم، فالبداءة باسم الله حاصلة بهاذا أو بهاذا، فلما كانت الصيغة التي اقترحوها صيغة صحيحة لا محذور فيها قَبِل، وإن كانوا هم الحامل لهم على تغيير الصيغة كفرهم باسم الرحمان.
(1) سورة: الإخلاص، الآية (1) .
(2) سورة: الحجر، الآية (9) .