فضرب الخدود يكون عند المصائب: الموت أو غير الموت، فإن من الناس من إذا أصيب بمصيبة، ونزلت به نازلة ضرب نفسه، وهاذا مما نهى الله عنه، وجعله النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سببًا للتبرؤ، لكن ليس كل ضرب للوجه، أو ضرب لجزء من الجسم يكون ممنوعًا، فإن الله -جل وعلا- أخبر في كتابه عن امرأة إبراهيم فقال: {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} [1] . لكن هاذا الصك من سارة --رَضِيَ اللهُ عَنْها- ليس على وجه التسخط والجزع، إنما هو على وجه التعجب، وما كان كذلك فإنه لا محظور فيه، فإن الإنسان قد يضرب نفسه إذا تعجب، لكن لا على وجه التسخط والجزع، ومنه ما جرى من النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما قال لعلي بن أبي طالب وفاطمة: (( ألا تقومان؟ فقال علي -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ-: إن أنفسنا بيد الله، إن شاء أمسكها، وإن شاء أرسلها )) . فخرج النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من عندهما يضرب على فخذه يقول: {وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [2] . فهاذا الضرب ضرب تعجب واستغراب، وليس ضرب تسخط وجزع.
فقوله: (( ليس منا من ضرب الخدود ) )أي: على وجه التسخط والجزع، وعدم الصبر على قدر الله -عز وجل-.
وهل هاذا خاص بالوجه؟
الجواب: لا، ليس خاصّاً بالوجه، فلو ضرب غير الوجه، غير الخد، ضرب الرأس، ضرب الكتف، ضرب الصدر، ضرب أي جزء من جسمه، فإنه يدخل في النهي، وإنما ذكرت الخدود لأن الغالب في من يصاب بمصيبة أن يضرب وجهه.
ومن هاذا نعلم خطأ الذين يضربون أنفسهم في ذكرى موت بعض الناس، فإن هاذا ممّا يدخل في قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( ليس منا من ضرب الخدود ) ).
(1) سورة: الذاريات، الآية (29) .
(2) سورة: الكهف، الآية (54) .