نقول: قولكم: إنَّ هاذا على وجه التغليظ وليس مرادًا، ليس بصحيح؛ لأن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا ينطق عن الهوى، فلو كان الأمر دون هاذه المرتبة ما ارتفع به النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى هاذه المرتبة تنفيرًا وتحذيرًا وتغليظًا، بل إن شيخ الإسلام -رحمه الله- قال: إن من قال هاذا يخشى عليه الكفر؛ لأنه ينسب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى التضليل، وإلى حال الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون، حيث يتجاوزون في أقوالهم الحدود الواقعة، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا ينطق إلا بالحق: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [1] كما قال الله جل وعلا.
أما القول الثالث وهو تكفير المستحل فيقال: إن هاذا لا يختص هذين الفعلين، بل هو عام في كل محرم استُبيح، فإنه يكفر به صاحبه، فلم يبق إلا ماذا؟ القول الأول، وهو أن المراد بالحديث أعمال الكفار وخصالهم. ولا يشكل عليك هاذا، فإنه قد يجتمع في الإنسان عملٌ من أعمال الكفار مع كونه مؤمنًا، كما قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في خصال المنافق: (( ثلاث من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كان فيه خصلةٌ منهن كانت فيه خصلةٌ من النفاق ) ).
قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( الطعن في النسب ) ). المراد بالطعن: الطعن يطلق في اللغة على أمرين: على أمرٍ معنوي، وعلى أمرٍ حسي. الأمر الحسي معروف، وهو إدخال شيءٍ في شيءٍ، وأما الطعن المعنوي فهو قريب منه؛ لأنه يوجع المطعون، وإن كان الإيجاع فيه معنويّاً لا حسيّاً، فللاشتراك في المعنى- وهو حصول الألم- سمِّي النيل من الأنساب طعناً، لأنه يوجع من؟ يوجع المطعون في نسبه. والطعن في النسب يشمل صورًا كثيرة، منها: نفي أصحاب النسب المعلوم، فإن هاذا من الطعن في النسب، كأن يكون الإنسان قرشيّاً فيقال: هاذا ما هو قرشي، هاذا ليس قرشيّاً.
(1) سورة: النجم، الآية (3) .