قال بعضهم: إن الكفر هنا كفر النعم، وليس المراد به الكفر المعروف. وقال آخرون: إن المراد بالكفر هنا المبالغة في التنفير من هاذا الخلق، والتغليظ على من عمل هاذا العمل. وقال بعضهم: إن الكفر هنا على بابه، لكنه في حق المستحل، يعني: من استحل الطعن في النسب، والنياحة على الميت. فصار عندنا كم قولاً؟
أربعة أقوال، أصوبها: القول الأول الذي ذكرناه، وإنما ذكرنا هاذه الأقوال لأنها ذكرت وهي كلها ليست بصحيحة، إلا القول الأول؛ لأن كفر النعمة: إما أن يكون جحدًا، والجحد يكفر به كفرًا مطلقًا، وإما أن يكون قصورًا في الشكر، أو تقصيرًا في الشكر، إما أن يكون جحدًا لنعمة الله فهاذا كفر يخرج به الإنسان من الملة بالاتفاق، وإما أن يكون تقصيرًا في الشكر، فهاذا لا يختص هذين الفعلين، وعليه فإن كل من قصَّر في شكر نعمة الله فإنه يكون كافرًا، وهاذا يرتفع به التخصيص المذكور في هاذا الحديث من وصف بعض العمل بالكفر.
وأما التغليظ فهاذا ليس بصحيح؛ لأنه لا يمكن أن يبلغ التنفير والتغليظ في قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حدّاً يُفهَم منه خلاف الصواب، وهاذه مسائل مهمة؛ لأنها تأتي في مثل هاذا النص، في هاذا النص وفي أمثاله من حمل العلماء وشرحهم للأحاديث، وحملهم، وبيانهم لقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.