قال رحمه الله: (باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} ) . الاستفهام في هاذه الآية عن حال أهل الكفر والشرك؛ لأن الله جل وعلا قال: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} الذين خسروا أنفسهم، وخسروا الدار الآخرة، فهاذه الآية في الأصل موجهة لأهل الشرك والكفر؛ لأنهم هم الذين أمنوا مكر الله -عز وجل- على وجه الكمال، وإلا لو لم يأمنوا مكره -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لقاموا بما أمر، ولتركوا ما نهى عنه وزجر، ويدخل في هاذا أيضًا أهل الإيمان، فإن أهل الإيمان يجب عليهم ألا يأمنوا مكر الله، يجب عليهم أن يخافوا مكر الله، فخوفهم من مكر الله -عز وجل- يكون بخوف أن يؤاخذهم الله -جل وعلا- على ذنوبهم، فإن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- إذا آخذ العبد بذنبه هلك العبد كما قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( من نوقش الحساب عُذِّب ) ). وكما قال الله جل وعلا: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [1] . فالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يعفو عن كثير من أخطاء عباده، وإلا لو آخذ كل أحد بخطئه لهلك كل أحد، ولذلك قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (( واعلموا أنه لن يدخل أحدٌ منكم الجنة بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته ) ). وهاذا يدل على أنه لولا رحمة الله لهلك الجميع، فرحمة الله وسعت كل شيء، وممن وسعت -وهم أحق الخلق بها- أهل الإيمان مع ما معهم من التقصير.
{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} فالذين يأمنون مكر الله حكم الله -جل وعلا- عليهم بالخسار.
(1) سورة: الشورى، الآية (30) .