القسم الثالث: هم الذين كملوا النظر إلى المسبب -وهو الله جل وعلا- فنظرهم وقلوبهم معلقة به، وأخذوا ما جعله طريقًا لتحصيل المقصود -السبب، الوسيلة- لتحصيل المقصود، لكن لم يلتفتوا إلى الأسباب، ويتركوا المسبب، بل علقوا قلوبهم بالذي لا تتم الأمور إلا به، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وأخذوا ما جعله سببًا لتحصيل المطلوب، وهؤلاء الذين كَمَل دينهم وعقلهم، وهو هدي الرسل وأتباعهم، فإن المرسلين وأتباعهم على هاذا سائرون، النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظاهر بين درعين في غزوة أحد، وهديه واضح في اتخاذ الأسباب: كان يدخر قوت أهله سنةً -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
والمقصود أن القسم الثالث هاذا هو أكمل الأقسام، ويمكن أن نقسم أقساماً تحت هاذا: الذين يقرون بالسبب، وينظرون ويعتمدون على الله -عز وجل-.
منهم من يغلب عليه النظر إلى السبب، ويغفل عن المسبب.
ومنهم من إذا أخذ السبب اشتغل قلبه، وتشتت همه وضعف توكله، فما حكم مثل هاذا؟
هل نقول: خذ السبب، أو نقول: اترك السبب واكتف بالتوكل؟