الثالثة: (( أن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يُقذف في النار ) ). وهاذه الخصلة من كمال الإيمان، بل لا يحصل الإيمان إلا بها؛ لأن من أحب شيئًا كره ضده، فإن الإنسان إذا تحقق في قلبه محبة أمر من الأمور أبغض وكره كل ما يضاده، وهاذا هو الذي تضمّنته هاذه الخصلة: أن يكره الإنسان ما يضاد كل محبةٍ تخالف محبة الله ورسوله، كل شيء يخالف ما يحبه الله ورسوله، ولذلك أن يكره أن يعود في الكفر، وهاذا عَوْد إلى الكفر من حيث الأصل، وعَود إلى الكفر من حيث الشعب والفروع، فيكره أن يعود في الكفر بالردة، يكره أن يعود في الكفر أيضًا بخصال الكفر وشُعب الكفر؛ لأنّ الإيمان له شعب، والكفر له شُعب، فالمؤمن الصادق إذا كره أن يعود في الكفر بالردة، وأن يعود إلى خصال الكفر، ولو لم تصل به إلى حد الردة؛ حقق الإيمان.
فقوله: (( أن يكره أن يعود في الكفر ) )يشمل الكفر من حيث الأصل، والكفر من حيث الشُّعب والخصال.
(( بعد إذ أنقذه الله منه ) )أي نَجّاه، وانظر إلى قوله: (( إذ أنقذه الله منه ) )فالسّلامة من الكفر إنقاذ، يجب على العبد أن يحمد الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عليه، وأن يستحضر هاذه المنة والنعمة من رب العالمين عليه.
(( كما يكره أن يُقذف في النار ) )وذكر النار لأنها من أشد ما يُعاقب به الإنسان، ومن أشد ما يفر منه الإنسان في الدنيا، أشد ما يفر الإنسان منه هو النار، فإذا كان يفر من الكفر وخصاله كما يفر من النار؛ فقد حقق الإيمان.
ومن هاذا الحديث نعلم أن المحبة لا تحصل إلا بالأصل، وبالفرع، وبكراهة ما يُضاد، فهناك ثلاثة أمور يتحقق للعبد بها حلاوة الإيمان التي هي فرعٌ عن كماله وتحقيقه:
الأول: تكميل الإيمان بالله ورسوله، تكميل المحبة بمحبة الله ورسوله.
والثاني: محبة ما تقتضيه محبة الله ورسوله، وهو الفرع.