و (الاستسقاء بالأنواء) هو طلب السقيا منها، إما بأن تدعى من دون الله عز وجل، أو بأن تنسب السّقيا -يعني المطر- إليها، كلّ هاذا من الاستسقاء بالأنواء، سواءً طُلب المطر من النجوم، أو أُضيف المطرُ إلى النجوم على أنَّه سبب، كلُّ هاذا داخل في ما عقد المؤلف -رحمه الله- من أجله هاذا الباب.
ومناسبة هاذا الباب لكتاب التوحيد واضحة: أنَّه إذا نسب المطر إيجاداً وخلقًا وتكوينًا إلى الأنواء يكون قد أشرك في الرّبوبية، وإذا نسب ذلك على وجه السّببية والعلّة فإنَّه يكون قد أشرك شركًا أصغر في الرّبوبية أيضًا، فإذا دعاها وسألها وتوجّه إليها بالطلب يكون أضاف إلى شرك الرّبوبية شرك الإلهية، هاذا مناسبة الباب لكتاب التوحيد.
أما مناسبته للباب الذي قبله: فإنَّه في الباب الذي قبله ذكر التّنجيم، وذكر فيه إبطال تأثير الأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، ثم ذكر بابًا خاصّاً أو وجهًا خاصّاً من أوجه التّأثير وهو نزول المطر، فليس للأنواء والنّجوم وهي من الأحوال الفلكية في حركاتها وتنقلاتها أثرٌ في نزول المطر، فهاذا الباب نوعٌ من الباب السّابق فيه صورة من صور إبطال الشّريعة تأثير الأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، اتضحت المناسبة بين البابين.
ذكر المؤلف -رحمه الله- في هاذا الباب آيةً وأحاديث، أما الآية فهي (قول الله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [1] .)
الجعل هنا بمعنى التصيير، أي: تصيرون رزقكم، وهو ما مَنَّ الله به عليكم أنكم تكذبون، أي تكذِّبون بهاذا الرزق، والتكذيب نوعُ ردٍّ ورفض وعدم قبول لرزق الله ونعمته، ومعلومٌ أنَّ حقَّ النعمة أن تُقبل وتُشكَر، وأن يعترف بها للمنعم بها المتفضل، فإذا أخلَّ بشيء من ذلك بأن ردها أو نسبها إلى غير المنعم بها، أو أنَّه لم يشكر هاذه النعمة فإنَّه لم يقم بالواجب، ولم يقم بحق هاذه النِّعمة.
(1) سورة: الواقعة، الآية (82) .