يقول تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} فسَّر جماعة من العلماء الرزقَ هنا بالحظ، أي: نصيبكم مما أنعم الله عليكم من النِّعم، أنكم تكذِّبون بنسبتها إلى غيره، وإضافتها إلى غيره -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
وفسَّر ابن عباس وغيره من الصحابة الرِّزق هنا بالشكر قال: وتجعلون شكركم _أي نعم الله عليكم- أنكم تكذِّبون بهاذه النعم، فلا تقومون بما أوجب الله عليكم فيها من الشّكر، وبعضهم قال: هناك مقدَّر وهو: (تجعلون شكرَ رزقكم) . والحقيقة أنَّه لا حاجة إلى التقدير؛ لأن الرزق نوعان: رزق أبدان، ورزق قلوب:
رزق الأبدان: لقوتها، وما تقوم به من الطعام والشراب.
ورزق القلوب: بالإيمان والطاعة.
والذي تخلَّف هنا هو رزقُ الإيمان والطاعة، فجعلوا رزقهم-أي رزق الأبدان -الذي يوجب أن يكون الإنسان شاكرًا جعلوه تكذيبًا وكفرًا وجحودًا لنعمة الله عليهم، فلا حاجة إلى التّقدير، ولذلك فسَّر هاذه الآية غير واحد من الصّحابة بما ذكرنا من أنَّ الرِّزق هنا الشكر؛ لأن الشكر رزق قلبي أو بدني؟ رزق قلبي في الأصل؛ لأنه يقوم بالقلب أصلاً، ثم ينتقل إلى اللسان والجوارح، لكن في أصله يكون من أعمال القلوب.
والشاهد من هاذا أنَّ الله -جلَّ وعلا - بعد أن ذكر إنزال المطر، وذكر ما ذكر من النِّعم التي أنعم بها على عباده، بيَّن كفرهم لهاذه النعم، وذلك بتكذيبها، وذكرنا لكم صورًا من التكذيب من أبرزها أن تُنسب النعمة والرزق لغير الله عز وجل، فيقال: هاذا المطر من النجم الفلاني أو النوء الفلاني، وكذلك في غير المطر من رزق الأموال، أو رزق الأبدان، أو رزق القلوب إذا نسبه إلى غير الله إيجادًا فقد كذَّب بهاذه النِّعمة وجعل رزقه التَّكذيبَ بها.