ثم قال: (( ومصدِّق بالسحر ) )وهاذا هو الشاهد، (( ومصدق بالسحر ) )والتّصديق هنا: ليس تصديق التأثير والوجود، فإنَّ هاذا لابد من تصديقه لخبر القرآن عنه، وإنما المقصود بالتصديق هنا: القبول والعمل، فالمصدِّق بالسِّحر القابل له والعامل به مهدد بمنع دخول الجنة، والسحر المراد به ما تقدَّم في الأبواب السابقة، وهو ما لطف وخفي سببه مما لا يوصل إليه إلا عن طريق شركي.
ولماذا ذكر السحر هنا مع أنَّ الباب في التنجيم؟ لما تقدم من أن التّنجيم نوع من السحر؛ لقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد ) ). يعني: زاد في السحر ما زاد من علم النجوم.
(رواه أحمد وابن حبان في صحيحه) . والحديث وإن كان قد صححه ابن حبان إلا أن كثيرًا من العلماء على تضعيفه، وما جاء فيه تشهد له النصوص الأخرى.
بقي مسألة وهي: هل للنجوم أثرٌ على ما يكون في الأرض؟ هل للأحوال الفلكية تأثير على الحوادث الأرضية؟
من الناس من يقول: لا أثر للأحوال الفلكية على ما يجري في الأرض بالكلية، وهاذا ليس بصحيح.
ومنهم من يجعل الحوادث الأرضية مرتبطة بالأحوال الفلكية، وهاذا أيضًا غير صحيح.
والصواب: أنَّ الأمر متوسط، فهناك أمور دلَّ الشرع فيها على أنَّ الأحوال الفلكية لها أثر على الحوادث الأرضية، ولكنَّ الشرع أمرنا بأن ندفع شرَّ هاذه الأحوال الفلكية، ومن ذلك قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته ) ). فهاذا فيه نفي أي شيء؟ نفي أن يكون للأحوال الفلكية تأثير على الحوادث الأرضية، فليس موت أحد ولا حياته مرتبطًا بالأحوال الفلكية، ولكن قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( ولكن يخوف الله بهما عباده ) )يدل على أن لهما تأثيرًا، أليس كذلك؟