ثم قال: (ذكره حرب عنهما، ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق) وهاذا هو الصّحيح، هاذا هو القول الثاني: أنَّ تعلمها جائز ولا حرج فيه؛ لأنّه من العلم الذي ينفع إذا كان يُفضي إلى معرفة الجهات: القبلة، أوقات الصلوات ... وما أشبه ذلك.
وتعرفون أنَّ عملَ الناس بالمنازل وسير الشمس والقمر معتبر في أوقات الصلوات، وأما في الهلال فإنَّ العبرة ليست في الحساب، إنما العبرة بالرؤية؛ لكون ذلك يُدرك بالنظر، بخلاف الأوقات فإنها قد تخفى، قد تخفى بعض الشيء، وإن كانت قد وُقِّتت بأوقات ظاهرة من طلوع الفجر، وزوال الشمس، وميلها إلى الغروب، وغروبها، وغياب الشفق، كلها علامات ظاهرة يدركها من يعرف الحساب ومن لا يعرف الحساب، لكن عمل المسلمون بهاذه بالحساب المعتمد على المنازل، وعلى سير الشمس والقمر في الصلاة دون الصيام، وكان عملهم فيها بالصلاة بإجماع، كما ذكر ذلك القرافي وغيره.
قال: (وعن أبي موسى قال: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:(( ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة ) )) وهاذا فيه التحذير الشديد من هاذه الثلاثة لكونها تمنع من دخول الجنة.
(( مدمن الخمر ) )والمدمن على الشيء: هو المداوم له المصاحب الملازم الذي لا ينفك عنه. (( مدمن الخمر ) )والمراد: الذي يديم شربها.
(( وقاطع الرحم ) )وهو الذي بتّ رحمه فلم يصلها، ويشمل الرحم البعيد والرحم القريب، وكلَّما كانت الرحم المقطوعة أقرب كان ذنبه وجرمه أعظم، لكن قوله: (( قاطع الرحم ) )يشمل قطع القريب والبعيد.
و (( الرحم ) ): هم كل من بيْنك وبينه صلة ولادة، وهاذا يشمل القريب والبعيد، لكن تعرفون أن صلة الرحم لم يرد في الشرع حدّ لها، ما فيه حد محدّد لصلة الرحم، مرة في الأسبوع، مرة كل يوم، مرة في السنة، إنما نرجع في ذلك إلى أي شيء؟ إلى العرف على القاعدة: أن كل ما ورد في الشرع، ولم يحدد فالمرجع فيه إلى العرف.