الصفحة 490 من 952

أن النّفي في الأحاديث ليس نفيًا لأصل العدوى ووجودها، إنما هو نفي لما كان يعتقده أهل الجاهلية من أن المرض ينتقل بنفسه من المريض إلى الصحيح، هاذا ما نفاه رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذاً النفي ليس للوجود، العدوى موجودة، وإنما المنفي هو انتقال المرض بنفسه دون إرادة الله عز وجل، هاذا الذي نفاه، وهاذا الذي كان عند أهل الجاهلية، وهاذا المسلك من مسالك الجمع رجحه شيخنا عبد العزيز بن باز -رحمه الله- ومال إليه شيخنا محمد -رحمه الله- وذكره كثير من الشراح، أن النفي في قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( لا عدوى ) )ليس لأصل العدوى، يعني: ليس لوجودها فهي موجودة، إنما المنفي ما كان يعتقده الجاهليون من أن المرض ينتقل بنفسه.

والطريق الثاني من طرق الجمع:

أن النفي هنا على حقيقته، وأنه لا عدوى وأن المرض لا ينتقل، فالنفي نفي للوجود، وقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( لا يورد ممرض على مصح ) )وقوله: (( فر من المجذوم فرارك من الأسد ) )هاذا لحفظ اعتقاد الإنسان من أن تقع العدوى بسبب مخالطة المريض فيظن كذب ما أخبر به النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وليس لكون العدوى تؤثر، فالأحاديث التي ظاهرها إثبات العدوى لا تفيد إثبات العدوى، إنما لصيانة اعتقاد الإنسان من أن يظن -إذا أصيب بسبب المخالطة للمريض- أن ذلك بسبب العدوى، فيكون مكذباً لما جاء عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من نفي العدوى، فيكون قوله: (( لا يورد ممرض على مصح ) )وقوله: (( فر من المجذوم ) )هاذا القول ليس لإثبات العدوى، إنما لأجل ماذا يا إخوان؟ لصيانة اعتقاد الإنسان من تكذيب خبر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نفي العدوى، وهاذا سلكه جماعة من العلماء، وهو الموافق لظاهر النص في قوله: (( لا عدوى ) )، ولكن الأقرب للنفس والقبول هو القول الأول.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام