أولاً بعض العلماء قال: إن قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( لا عدوى ولا طيرة ) )إلى آخره، هاذا نهي وليس نفيًا، وقال آخرون: إنه نفي، والصحيح أنه نفي، وهو أبلغ من قولنا: إنه نهي؛ لأن النفي يتضمن النهي، نفى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هاذا الحديث العدوى، وما هي العدوى؟ هي انتقال المرض من المريض المعيوه- يعني الذي أصابته عاهة- إلى الصحيح، هاذا معنى العدوى، فنفى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك.
ويشكل على هاذا النفي أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صح عنه قوله: (( لا يورد ممرض على مصح ) ). فنهى عن إيراد المريض على الصحيح، ويشكل عليه أيضًا أنه قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( فر من المجذوم فرارك من الأسد ) ). وهاذا يشعر إثبات العدوى ويظهر منه ذلك.
ولذلك اختلف العلماء - رحمهم الله - في الجمع بين هاذه النصوص: فبعضهم لم يجد للجمع سبيلاً، فحمل أحاديث نفي العدوى على أنها إما أن تكون ناسخة أو منسوخة.
وحاول بعضهم التّرجيح، فرجّح أحاديث نفي العدوى على أحاديث إثبات العدوى، وهاذان طريقان.
الطريق الثالث الذي سلكه جمهور العلماء: الجمع بين النصوص؛ لأنّه إذا كان الجمع ممكناً فإنه لا يصار إلى النسخ والترجيح؛ لأن النسخ إبطال لأحد النصين، وكذلك الترجيح إبطال لأحد النصين، وما أمكن العمل فيه بجميع ما ورد أولى من تعطيل بعض الوارد، ولذلك المسلك الصحيح في هاذا هو مسلك الجمع بين النصوص الواردة في نفي العدوى وإثباتها، وسلكوا في الجمع مسالك عديدة أصحها أو أقربها للصواب ما يلي: