ومنه أيضًا قول الله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [1] {أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ} أي: عمله وجزاء عمله، فيلزمه الله عز وجل يوم القيامة عمله في كتاب يلقاه منشوراً، ويلزمه جزاء العمل لأنه مرهون بعمله: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ} [2] فهم مفكوكون من هاذه الرهنة.
إذاً اتضح لنا معنى الطائر، وما قاله ابن القيم -رحمه الله- ينتظم جميع ما قيل في تفسير الآيتين وهو واضح سهل.
الطائر في لغة العرب: هو العمل وجزاؤه، فإذا أضيف إلى الله كان الجزاء، وإذا أضيف إلى الإنسان إلى العبد المخلوق كان بمعنى العمل.
والآيتان ظاهرهما ما هو؟ إثبات الشؤم أو لا؟ نعم إثبات الشؤم؛ لأن الله عز وجل أضاف الطائر إليه جزاءً وأضاف الطائر إليهم عملاً، وهاذا ليس هو التطيّر الممنوع، إنما أراد المؤلف -رحمه الله- بيان أن الشؤم يكون من الإنسان ويكون عقوبة للإنسان: يكون من الإنسان بعمل السيئات، ويكون عقوبة للإنسان بسبب عمل السيئات. وهاذا الشؤم ليس هو الشؤم الذي نفاه رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأخبر فيه أن الطّيرة شرك؛ لأن هاذا ليس فيه تشاؤم، إنما فيه الخبر بالشؤم الحاصل على الإنسان بسبب معصيته أو بسبب عمله.
قال -رحمه الله- بعد ذكر الآيتين: (عن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:(( لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ) ). أخرجاه، زاد مسلم: (( ولا نوء ولا غول ) ).)
فالمنفي في هاذا الحديث ستة أمور: العدوى والطيرة والهامة والصفر والنوء والغول، ستة أمور نفاها رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فما معنى النفي؟
(1) سورة: الإسراء، الآية (13) .
(2) سورة: المدثر الآيات (38 - 39) .