ثم قال: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي لا يعلمون ذلك علماً يدركون به أن ما أصابهم إنما هو بسبب سيئاتهم فينتهون عنها، ونفي العلم عنهم ليس العلم الذي يحصل به إقامة الحجة إنما العلم الذي يحصل به النفع والثمرة والالتزام بما جاء به الرسول.
قال: (وقوله) أي وقول الله تعالى: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} [1] .
في جواب من هاذا؟ هاذا في جواب أصحاب القرية في سورة يس، فإنهم لما تطيروا بالرسل الذين جاؤوهم وقالوا: إنا تطيرنا بكم، قال لهم رسلهم: {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} أي شؤمكم وشركم معكم، وذلك بسبب ما كان منهم من العمل السيئ الذي به استوجبوا النقم واستوجبوا نزول السيئات بهم.
ففي هاذه الآية نسب الطائر إلى من؟ إلى الخلق، وفي الآية السابقة نسب الطائر إلى الله عز وجل، فما الفرق بين النسبتين؟ هل بينهما تعارض؟
الجواب: لا ليس بينهما تعارض، بل النسبتان صحيحتان، فهم شؤمهم معهم لأنه بعملهم وكسبهم، وشؤمهم من الله لأنه هو الذي عاقبهم على هاذه السيئات وهاذه المعاصي، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله: الطائر هو عمل الإنسان وجزاؤه، أي وجزاء العمل، فإذا أضيف إلى الله كان بمعنى الجزاء، وإذا أضيف إلى العبد كان بمعنى العمل، فقوله تعالى: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} أي جزاء عملهم، فحيث نسب الطائر إلى الله كان المراد به الجزاء على العمل والثواب على العمل، وحيث ما أضافه إلى العبد كان المراد به العمل نفسه، ومن ذلك قول الرسل لقومهم: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} .
(1) سورة: يس، الآية (19) .