وظاهر كلام ابن المسيب -رحمه الله- أنه يجوز حل السحر بأي وسيلة حتى بالسحر؛ لأنه علل الإباحة وعدم المنع بأنه (إنما يريدون به الإصلاح) أي بهاذا الفعل (فأما ما ينفع فلم ينه عنه) يعني: أما ما ينفع من السحر فإنه لم يُنه عنه، فظاهر كلام ابن المسيب رحمه الله جواز حل السحر بالسحر، وهاذه المسألة اختلف العلماء فيها رحمهم الله على قولين، المسألة فيها قولان:
القول الأول: جواز حل السحر عن المسحور، وهاذا هو قول الأصحاب.
والثاني: عدم الجواز.
والثالث: التوقف، وهو قول الإمام أحمد رحمه الله، وإن كان صاحب الفروع قال: وهو إلى الجواز أميل.
لكن اعلم أن الذي أجازه العلماء من ذلك هو ما لا يفضي إلى الشرك، وما لا يقع فيه الإنسان بالشرك، أما ما أفضى إلى الشرك، أو وقع به الإنسان في الشرك؛ فإنه لا يجوز؛ لأن الشرك لا تحله الضرورة، وإنّما تحل الضرورة الممنوعات والمحظورات. والذي يترجح من هاذه الأقوال: هو عدم جواز حل السحر بالسحر؛ لحديث جابر (أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئل عن النشرة، فقال:(( هي من عمل الشيطان ) )). ومعلوم أن السحر إنما هو من عمل الشيطان، والأصل فيه الضرر، والأصل فيه عدم تحصيل المقصود؛ لقوله تعالى: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [1] حيث أتى: من أي جهة جاء، أراد نفعًا أو ضرّاً، فنفى عنه الله تعالى الفلاح وهو تحصيل المطلوب، وتحصيل القصد والغرض.
ثم إن الغالب في السحرة أنهم لا يتوصلون إلى ما يريدون من حل السحر إلا بكفر أو شرك، ثم بعد بيان أدلة القائلين بالمنع، الذين قالوا بالجواز أجازوه للضرورة، والحقيقة أن المحرم لا تبيحه الضرورة إلا إذا توفر فيه شرطان، فإذا لم يتوفر هاذان الشرطان فإن الضرورة لا تبيح المحرم، هاذان الشرطان هما:
(1) سورة: طه، الآية (69) .